غرباء في الأسواق والأفراح وعلى موائد المترفين، ينظرون من طرف خفي، يحضرون بصمت في أماكن تكتنز أرصدة وعقارات، مترعون بقلة الحيلة.. ومن النادر أن تجد أحدهم قد وفّرَ مما يقبضُهُ على استحياء لليوم الأسود! ما يميز أهل الضمان المساكين أنهم لا ينتظرون مستقبلاً وظيفياً أفضل يغير من أحوالهم. لقد توقف بهم العمر، بعد أن طوتهم السنون، لم يعد لديهم أمل في تحسين أحوالهم المادية والمعيشية من مصدر آخر. أهل الضمان يتصفون بالتعفف رغم الفاقة، وبالكبرياء رغم أن العين بصيرة واليد قصيرة.. أهل الضمان لا يشترون الملابس الغالية الثمن والأنيقة. ولا يشترون الألعاب «الماركة» لأطفالهم. ولا يأكلون اللحم الأحمر إلا في مواسم الفرح الشحيح والأعياد المملّة! ولا يجمعون المال لولد لم يولد. ولا يدخلون في مساهمات مشبوهة حتى ولو جوّزها بعض العلماء..! لا يعملون شيئاً من ذلك. فقط ينتظرون تاريخ نزول المعاش أو «الملطوش» غرة كل شهر هجري. وكلٌ وما كُتِبَ له، دراهم معدودة لا تكفي لفاتورة كهرباء وأجرة «وايت ماء 16 طناً» ولا لإيجار سكن، ولا تكفي لإطعام كثير من الأفواه الجائعة، ومستلزمات المدارس، والملابس، في ظل الغلاء الخارج عن السيطرة! يأتيهم معاش الضمان كي يذهب في نفس اليوم في بعض الأساسيات، وفي إعادة بعض الديون للجيران! وبعد يوم من صرف راتب الضمان يقولون لأطفالهم من باب التسكيت والإقناع «الضمان بح»! أهل الضمان في حكم البؤساء مالياً/ مادياً واجتماعياً ومعيشياً.. لحكمة من الله يعلمها؛ بأن جعل الناس طبقات غني وفقير. ونلاحظ النظرية تتحقق «الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقراً». أهل الضمان أناس طيبون لا يتذمرون كثيراً. إنْ أُعطُوا رَضوا وتضرعوا وإنْ لم يُعطَوا صبروا ولم يسخطوا. ألم أقل لكم إنهم أناس طيبون؟! بعضهم ينتظر الستين بفارغ الصبر حتى يكون مع «الضمانيين» وضمن طابور أهل الصدقة. ستون عاماً عمر طويل وعليه أن يجوع سنوات هو وعائلته حتى يكون مستحقاً هذه الملاليم.. فأي خيبة أكبر من هذه؟! أهل الضمان ينظرون إلى السماء كثيراً وهم يلهجون بالدعاء مع نزول المكرمات. وإذا نظروا إلى الأرض لا يجدون إلا «أحمد حافي» الفقر والعوز في ظل ارتفاع أسعار كل شيء.. السلع الصينية الرخيصة والمقلدة! بعضهم رضيَ بمساعدة مقطوعة مشروطة يحصل عليها لعام أو عامين ثم تُقطع عنه للسبب نفسه.. العمر! أهل الضمان شريحة كبيرة لكنها عاطلة، تعيش بقناعة خارج حسابات الأغنياء والمجتمع.. ومع ذلك رضوا بالقليل لعل «أحداً ما» ينظر في أحوالهم ويأمر بتحسين ظروفهم المادية والمعيشية في ظل (ميزانية الخير الترليونية التاريخية) التي تمّ اعتمادها أخيراً، وهو ما قد يكون سبباً في إكرامهم وانتشالهم من تحت خط الفقر! هل سمعتَ أحد العجائز يسألك متى يصرفون الضمان؟ إنه لم يقل هل زاد أو كم هو؟ فالنتيجة عنده ثابتة غير متحولة، قنوع يحمد الله لا يريد إلا ما يسد به رمقه.. إنه أحد هؤلاء المستضعفين في أرضنا المباركة.