في الآونة الأخيرة، تجدد الحديث عن الوحدة الوطنية الفلسطينية مع توقيع اتفاق جديد في بكين بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس. ومع كل آمال وتطلعات شعبنا العظيم، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى بدأت التحليلات تشير إلى أن هذا الاتفاق، مثل سابقيه، ربما ولد ميتاً. إن الوحدة الوطنية الفلسطينية ليست مجرد هدف نبيل، بل هي ضرورة ملحة تعود بالفائدة على كل فلسطيني فوق هذه الأرض. مما لا شك فيه أن قوة الشعب الفلسطيني تكمن في وحدته، فالانقسام والشتات ليسا في صالح أحد إلا أعداء السلام والحرية، والوحدة الوطنية تعني توحيد الصفوف وتجميع الجهود وتوجيهها نحو هدف مشترك يعزز من موقفنا السياسي والتفاوضي على الساحة الدولية. لعل من أبرز ما يجب أن يكون على رأس أولوياتنا هو مصلحة الشعب الفلسطيني العليا، ويجب أن تتقدم هذه المصلحة على أي اعتبارات فصائلية أو حزبية ضيقة، النضال من أجل الحرية والاستقلال يتطلب منا جميعاً توحيد جبهتنا الداخلية. للأسف الشديد، ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن مصالحة وطنية، فقد سبق أن شهدنا اتفاقات على هذا الطريق، مثل اتفاق مكةالمكرمة الذي كان يحمل الكثير من الأمل، ولكن، دائماً ما كان يبدو أن الشيطان يكمن في التفاصيل، مما يعوق التقدم الحقيقي نحو تحقيق الوحدة المنشودة. اتفاق مكة، الذي وُقع بجوار الكعبة المشرفة، كان يمثل محطة هامة في تاريخنا السياسي الحديث، لكن حتى هذا الإعلان المبارك لم يكن كافياً للتغلب على العقبات التي تفصل بين الفصائل الفلسطينية، مما يدل على أن الإشكاليات أعمق مما يظن البعض، تفاصيل الشيطان التي تعرقل الاتفاقات، فالتفاصيل الصغيرة والخلافات البسيطة لطالما حالت دون تحقيق إنجازات كبيرة، فيتم الإعلان عن اتفاقات بأهداف سامية، لكن سرعان ما يتضح أن الخلافات الأساسية لم تُحل. إن عدم الاتفاق على النقاط العالقة يجعل أي اتفاق يبدو كأنه مبني على أسس غير صلبة. يمكن القول بأسف إن اتفاق بكين، بالرغم من كل الجهود، قد وُلد ميتاً، وذلك لأنه لم يتطرق بجدية إلى القضايا الأساسية التي تفرق بين الأطراف، هذا النهج الإجمالي، الذي يترك التفاصيل للشيطان، لا يمكنه أن يبني طريقاً نحو السلام الداخلي والوحدة، ومن الضروري أن نتعلم من الأخطاء السابقة، وأن نسعى بكل جهد لمعالجة الخلافات من جذورها، إذا أردنا فعلاً تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.