في ظل ذوبان الهويات الوطنية أو ضعفها لدى الكثير من المجتمعات والشعوب كنتيجة للتفاعل الحضاري، ولأننا لسنا بمعزل عن هذا التفاعل، خصوصا أننا نشهد تطوراً حضارياً فريداً؛ تظهر الحاجة إلى تعزيز الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا عبر إبراز ما نُقل إلينا من التاريخ الشفهي، إذ تعد الروايات الشفهية من وسائل المعرفة المهمة في توثيق التاريخ الوطني لهذا البلد العريق، وقد أشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- إلى الاهتمام بتضحيات الآباء والأجداد، للحفاظ على هويتنا وتراثنا الوطني. ولأن حكايات الأجداد تعد جزءاً من التراث الثقافي والاجتماعي والتاريخي لبلادنا؛ أُسطِّر باختصار ما روته لي جدتي (سارة الحجي) عن إحدى زيارات الملك عبدالعزيز إلى مركز (الهياثم) -أحد مراكز محافظة الخرج التابعة لمنطقة الرياض-، عندما سَألتها فيما إن سبق لها أن رأته أو التقت به، فقالت: «نعم»، فطلبت منها أن تصفه، فقالت: «كأنه البدر المنير»، وكنت ألحظ حرصها على الدعاء للمؤسس، فسألتها عن سرّ تلك المكانة فقالت: «نحبه وندعي له لأنه -بعد الله- رسخ دعائم الأمن والاستقرار، ونشر العدل، ووحد البلاد، وجمع القلوب على كلمة واحدة، وهو نعمة ساقها الله إلى هذا البلد»، وأضافت أنه كان يتفقد أحوال رعيته كما هي عادته على الدوام، ورأته يمر على المزارعين ويلتقي بهم، ويأمر لهم بالمساعدات المادية الفورية، وبقضاء حوائجهم العامة، وذلك لتشجيعهم، وتدعيم بقائهم واستقرارهم، مما أسهم في تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الأواصر والانتماء، فهي شاهدة عيان عاصرت مرحلة مهمةً شهدتها الأجزاء الواقعة جنوب نجد، وما كانت عليه قبل التوحيد، وما أصبحت عليه بعده، مما جعلها أكثر انتماء ووطنية، وهذا الشعور الصادق لهذا البلد العظيم ولقادته، الذي كانت تنقله إلينا في سلوكها وأحاديثها معنا، هو أعظم تأثيراً وأبلغ أثراً وأقرب إلى القلوب من قراءة العديد من صفحات كتب التاريخ. ختاماً؛ فإن للأسر السعودية دوراً محورياً في توعية الأجيال الجديدة، حيث تعد المصدر الأهم والمعلّم الأول لتاريخ هذه البلاد المباركة من خلال سرد الأحداث التاريخية التي قام بها أبناء وبنات الوطن منذ تأسيسه، وتعزيز القيم والمبادئ الثابتة والتليدة التي عاش عليها أجدادهم، ليتفاخروا بين الأمم بماضيهم الناصع، وليبنوا مستقبلهم المشرق، وليكملوا المسير تجاه هذا الوطن العظيم.