الطائف.. ليست عروساً للمصائف فحسب، بل هي تاريخ امتد جذوره إلى قرون عدة وعصور ماضية، فهي شاهدة على التاريخ الإسلامي، ومنه وقوف النبي -صلى الله عليه وسلم- على عدد من المساجد التاريخية في المحافظة، لتصبح في العهد الحالي شاهداً على عراقة المدينة الجميلة. وحظيت الطائف، برعاية ولي العهد، في برنامج مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية.. ومن المساجد التاريخية: مسجد عبدالله بن عباس ومقبرة الشهداء يظل من أكبر المساجد في المحافظة وأقدمها تاريخياً، ويرجع تاريخه إلى الصحابي الجليل عبدالله بن العباس، ابن عم رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونشأته سنة 592ه، ويقع في المنطقة المركزية، وقد أمر الملك سعود بن عبدالعزيز، بإعادة بنائه في القرن الماضي. وتقع في الجهة الشرقية للمسجد مقبرة الشهداء وهي ذات مساحة صغيرة، ولها قصة تاريخية، فقد شهدت مدينة الطائف قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، الأولى في عام الحزن في العام العاشر من البعثة، والأخرى في العام الثامن من الهجرة، فقد قدم رسول الله وبعض الصحابة رضوان الله عليهم أمثال أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم لفتح الطائف، ودعوة قوم بني ثقيف للدخول إلى الإسلام بعد غزوة حنين، وقد اختار رسول الله أرضاً بيضاء قاحلة تقع في قلب الطائف -حالياً هي موقع المسجد- لتكون مواجهة لسدود بني ثقيف، وبدأت المعركة بدق المنجنيق الذي وقف أمامه السور دون أن يحركه حتى انهالت على المسلمين النبال، والتي أدت إلى استشهاد 11 صحابياً كريماً والذين دفنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقعة التي وقفوا عليها، وتسمى حاليا مقبرة الشهداء. مسجد الكوع يسمى أيضاً مسجد الموقف، ويقع أسفل جبل أبي زبيدة على يسار الذاهب من المثناة إلى الطائف، وهو ضمن منظومة مساجد المثناة التاريخية، أُطلق عليه الموقف لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف بهذا المكان عند قدومه إلى الطائف، كما يروى بأن الرسول اتكأ وهو جالس بهذا المكان أو بقربه، لذا سمي بالكوع. ويتخذ المسجد الشكل المربع، ويبلغ طوله 8 أمتار، وعرضه 7 أمتار، وارتفاعه 3 أمتار، وفي نهايته فناء مكشوف يبلغ طوله 7 أمتار، وعرضه 4 أمتار، ويتكون من ارتفاعين طول كل منهما 7 أمتار، وعرضهما 4 أمتار، ويفصل بينهما جدار يتوسطه باب معقود تكتنفه نافذتان صغيرتان، وعلى يمين الداخل من الباب يوجد محراب صغير بجانبه نافذة صغيرة مربعة الشكل، ويحيط بالمسجد سور صغير يتألف من 4 مداميك ارتفاعه متر واحد، ومدخل المسجد من الجهة الشرقية وبشكله الحالي اتخذ من طلائه اللون الأبيض. مسجد الخبزة يطلق عليه مسجد الحصن، لوجود آثار حصن ساقط على بئر بجوار المسجد، ويقع مسجد الخبزة -في بستان الرقاب الكبير بالمثناة الغربية، قريباً من مسجد الكوع بأقل من 33 متراً، وهو مربع الشكل في بنائه القديم كما وصفه المؤرخون، ولا ينبئ شكله الحالي بأنه مسجد أثري لما طرأ عليه من تغيير بعد تجديده. تقع مئذنته في الجزء الجنوبي الشرقي، وعلى يمين المحراب منبر، مما يدل على أنه جامع قديم. مسجد عداس يقع وسط بساتين المثناة الغربية إلى الشرق من مسجد الخبزة بنحو نصف كيلومتر على وادي وج، وهو مسجد صغير تم تجديده حديثاً، وينسب إلى عداس النصراني مولى عتبة ابني ربيعة، الذي آوى إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند قدومه لدعوة أهل الطائف، وهو أول من آمن بالطائف وأسلم على يد الرسول. مسجد القنطرة يسمى أيضاً مسجد المدهون نسبة إلى الجبل الذي يقع عند أسفله من الناحية الشمالية الغربية، وهو يقابل مسجد عداس، ومن موقعه يمكن مشاهدة جميع مساجد المثناة الأثرية (الكوع- الخبزة- عداس- ابن عباس)، وتميز بمنارة غاية في الجمال أسطوانية متدرجة، وشكلها يذكرنا بالمآذن الملونة التي ظهرت في العصر العباسي في جامع سامراء الكبير، ثم بمصر في جامع أحمد بن طولون. ويرجع بناؤه الحالي إلى أواخر العصور السابقة. وذكرت الروايات التاريخية بأن القنطرة عبارة عن قنطرة ماء تعبر من فوقها عين المثناة وسيل وادي وج من تحتها. مسجد سدرة الصادرة يطلق عليه مسجد سدرة الصادرة أو الموقف، كما ذكر المؤرخون القدامى في السيرة النبوية، ويقع عند القرن الأسود من نخب بالقرب من بلاد وقدان شرقي الطائف، وهذا المسجد يرتبط برحلة غزوة الطائف في العام الثامن للهجرة، إذ عسكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الموقع قبل دخول الطائف تحت سدرة الصادرة، وفيما بعد اتخذ الناس من هذا الموقع مصلّى لهم، كما أن المسجد في هيئته الحالية تم تجديده وإعادة إعماره وبناؤه بالحجر في نمط معماري تاريخي جميل ضمن برنامج إعمار المساجد التاريخية، مشروع الأمير محمد بن سلمان، لتطوير المساجد التاريخية. من جانبه، أوضح المؤرخ التاريخي عيسى القصير، أن مدينة الطائف شهدت خلال القرون والعقود الماضية نهضة شاملة في الأدب والثقافة بأنواعها، ونهضة تاريخية لعبق تاريخها العريق، ومن هذا المنطلق الحضاري لمدينة الطائف، أهيب بالشباب أن يعتنوا بتاريخ وطنهم ويستشعروا حب التاريخ، فهو موطن القوة التي يستمدونها في العطاء لوطنهم، وأن يبحثوا في جذور العلم والمعرفة، ليظهر مجدداً جمال الموروثات والمآثر الحضارية لمدينة الطائف، والثقافة هي كنز يحمله الأجيال عبر كافة العصور، والعناية بالآثار تحفظ التاريخ وتشهد لها الأمم في تقدمها، وتعتبر وقود الروح للأجيال في الانطلاق نحو كافة العلوم، فلكل زمن دولة ورجال وأبناء يحملون راية العز في كل حقبة زمنية، فالمملكة العربية السعودية، تاريخها شامخ وثقافتها سمة بارزة خصّها الله من بين الدول في الحرمين الشريفين ومواقعها التاريخية والأثرية.