قبل عقدين وأكثر بدأت خلايا القاعدة وجناحها الصحوي المتطرف داخل البلاد الترويج بكثافة لدعاية مسمومة عنوانها «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»، لم تكن في حقيقتها سوى عنوان مخادع لحرب قادتها دول إقليمية وتنظيمات تحالفت لتضر السعودية، بلا شك كانت لها أهداف بعيدة لتغيير خارطة مراكز القوة في الإقليم. كان الهدف الأساس فك الارتباط بين السعودية الدولة الإسلامية والعربية الكبرى وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية، فهل نجحوا في ذلك؟ الإجابة بلا شك يجب أن توضع على مقياس الندية والمصالح المشتركة، لكن هل سمح الأمريكان بذلك أم لا؟ فالسعوديون كما يصفون أنفسهم بأنهم لا يغدرون بشركائهم، وفي الوقت نفسه يتعاملون مع الجميع بأخلاقهم. لقد كانت الشراكة السعودية الأمريكية مثالاً للتعاون، تحقق على أثرها نتائج كبرى غيّرت مجرى التاريخ، ونحن هنا لا نتحدث عن أوهام أو أحلام وأمنيات تراود محدثي السياسة في المنطقة، بل عن حقائق، لعلنا نسرد بعضها. أولاً: تحقيق السلام في لبنان الذي بدأ ببعثة الأمير بندر بن سلطان والمبعوث الأمريكي فيليب حبيب لإنهاء الحرب الأهلية، وتتويجه باتفاق الطائف 1988. ثانياً: تحييد الحرب الإيرانية العراقية ومنع تمددها لدول الخليج العربي والتي كانت ستؤدي إلى وقف إمدادات الطاقة ما يعني انهيار الاقتصاد العالمي. ثالثاً: إخراج الجيش العراقي من الكويت بعد احتلال لتسعة أشهر، وتشكيل تحالف دولي هو الأول من نوعه بعد الحرب العالمية الثانية، أكد على قيادة المملكة وثقلها وحجم تأثيرها في العالم. رابعاً: دعم مسيرة الاقتصاد الدولي، من خلال التوافق على تحقيق إمدادات مستقرة ومستمرة وبأسعار عادلة ما يضمن للاقتصاد العالمي استقراراً وثباتاً. لقد أثبتت السعودية أنها إحدى دول القرار في العالم، ليس بسبب الشراكة الأمريكية فقط، بل بسبب إرثها وتأثيرها السياسي كواحدة من أقدم الدول بعمر 300 عام، ومكانتها الإسلامية والعربية، وحجمها الاقتصادي. ولذلك كله، خلصت تنظيمات ومقاولين من الباطن بأن فك الارتباط السعودي الأمريكي، هو الحل لإضعاف السعودية أو إفقادها مكانتها المستحقة، ويرون أن ذلك هو مفتاح الانفراد بها وتدميرها. لقد كانت 11 سبتمبر مثالاً لمحاولات (الأعداء والأعدقاء)، وتتويجاً لتحالف الشر بين دول معادية وتنظيم القاعدة، لكن السعودية استطاعت الالتفاف ببراعة على تلك الجريمة بالرغم من الفخ الذي صمم لتوريط عدد من الشباب السعوديين المندفعين، وتوريط السعودية من ورائهم، لقد أثبتت الرياض أنها لم ولا يمكن أن تكون جزءاً من أي مخطط إرهابي. لقد ثبت عكس ذلك، فالسعوديون وبعدما أعلن باراك أوباما الرئيس الأمريكي الأسبق تخليه عن المنطقة، استطاعت الرياض إعادة تموضعها في العالم ما أتاح لها هامشاً سياسياً اقتصادياً متنوعاً، واليوم من يسعى لبناء شراكة من الرياض هم الأمريكان، بعدما أحسوا بخطر خسارة واحدة من أهم دول العالم وأكثرها تأثيراً في الاقتصاد والأمن والسياسة. الضغط لإخراج القوات الأمريكية في التسعينات والألفية كان عنواناً فقط للهجوم على السعودية، بينما كانت القوات المزعومة «مدربين وخبراء صيانة»، وهم لا يختلفون عن الغربيين الآخرين من الأطباء والمهندسين، وخبراء الشركات، والوزارات، والهيئات. اليوم يتم الترويج بكثافة لإسقاط مشروع الشراكة السعودية الأمريكية في ثوبها الجديد، من خلال الترويج للتطبيع، واتهام السعوديين بعلاقة لم تتم مع إسرائيل، ومن يتهم السعودية بالتطبيع هم المطبعون الرسميون وهم من يحتضنون الإسرائيليين ليل نهار، وهم من يجتمعون بهم سراً وعلناً. لكن المفيد من هذه الدعاية -المسمومة- هو المضي قدماً في مشروع الشراكة السعودية الأمريكية، وعدم الالتفات لكل تلك الصرخات التي تقتلهم قبل أن تؤثر في السعوديين، فالمصلحة منه تتجاوز المنطقة إلى العالم أجمع، فلا شيء يتقدم على المصالح السعودية الكبرى.