السعوديون ليسوا طارئين على هذه المنطقة، وليسوا عبئاً على التاريخ ولا على التحضر، بل إن أجدادهم هم أساس كل الحضارة العربية المشهورة (أموية، عباسية، أندلسية) التي شهدها التاريخ، ولو سألت معظم السعوديين اليوم لوجدت أن أنسابهم تعود إما لصحابي، أو تابعي، أو مجاهد شارك في بناء تلك الحضارة، وكان أساس نشر اللسان العربي والدين الإسلامي خارج الجزيرة العربية. وقبل أن نبدأ في تفكيك فكرة الكراهية التي زرعت عمداً -عن سابق إصرار وترصد- في بعض محيطنا، مستهدفة السعودية إنساناً وقيادة وتفاصيل حياة، من المؤكد أن السعوديين لم يخلقوا ليكونوا خصوماً لأحد، ولا يقبلون أن تكون شخصيتهم جزءاً من أنشطة بعض الشعوب تستهدفهم وتتعدى عليهم، وما يقوم به السعوديون منذ شروق شمسهم إلى مغيبها هو تنمية بلادهم وتحقيق مستقبل مشرق لأجيالهم القادمة، فهل هذه جريمة في نظر بعض (المحيط)؟ ولنقترب أكثر مما يحصل من محاولة (اغتيال الشخصية) السعودية، دعونا نطّلع على التعريف العلمي للمصطلح: إذ يقصد به الإضرار بالشخصية المستهدفة واغتيال صورتها أمام الجمهور؛ بهدف استنزافها وإضعاف تأثيرها بين هذا الجمهور، إما من خلال التشكيك فيها، أو عبر نشر ادعاءات كاذبة حولها.. ويعتبر هذا الأسلوب الأكثر شيوعاً في الحروب الحديثة. في ظني أن الهدف من حملات الاغتيال المعنوية والإساءة للشخصية السعودية عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ هو معاقبتهم لالتفافهم، أولاً؛ حول وطنهم وقيادتهم ولإسقاطهم المشاريع العابرة التي استهدفتهم، وتخيل صانعوها سهولة انجرارهم وراءها، وثانياً؛ التقليل من تأثيرهم الطاغي على وسائل التوصل الاجتماعي؛ الذي كان واضحاً ومدهشاً واستطاع إسقاط المناوئين. لقد فوجئ الخصوم أن السعوديين بتلك الصلابة وبذلك الوعي وبتلك المبادرة وبتلك الشجاعة، لقد استطاع الإنسان السعودي بكل أطيافه هزيمة الدسائس المعقدة والشائعات المبتذلة والأخبار المركبة والتقارير العابرة؛ التي تبدأ من نيويورك ولا تنتهي في الشوارع العربية. وعلى الرغم من أن السعوديين، كأي أمة أخرى، يمرون بكل تفاصيل الحياة، ولديهم الكثير من الأمنيات والأحلام، إلا أنهم واعون تماماً أن لا أحد يعيش في (المدينة الفاضلة)، وأن التحريض ليس لتحقيق مصالحهم، بل لتفجير بلادهم من الداخل. بلا شك، هناك بعض الخونة والمارقين والمأجورين والهاربين، لكنهم أقلية غير مؤثرة، بل إن معظم من ادعى المعارضة كانوا من الهامشيين والشاذين، لقد ترك السعوديون تلك الأفكار لتنمو داخل الدول الفاشلة دون أن يتأثروا بها. حرب اغتيال الإنسان السعودي انتقلت من عاصمة لأخرى، ومن تيار وتنظيم لآخر، لأن السعودية في نهاية الأمر هي السد العالي أمام اجتياح المنطقة وتنفيذ الأجندات التخريبية العابرة. الاغتيال كممارسة واضحة بدأت بمحاولة سرقة كل ما هو سعودي أو التقليل منه أو تشويهه -منجزاً، مشروعاً، ثقافة، تاريخاً-، ولا تنتهي في إعادة استخدامه تحت مسمياتهم. يحاربون التراث السعودي الباذخ الثري المتنوع؛ لأن حياتهم الاجتماعية فقيرة جدّاً وغير قادرة على إنتاج أي تراث شفهي أو مادي، فقراء على أبواب التاريخ يتسولون الحضارة السعودية ويحاولون سرقتها واستنساخها. القهوة السعودية، والعرضة السعودية، شعر القلطة السعودية، والمجرور والدحة، وطرق الجبل والمسحباني، والخطوة، والمقبال، والقزوعي، والرفيحي، والسامري، نحن نتحدث هنا عن آلاف الرقصات والعرضات الشعبية، فضلاً عن أنماط متنوعة من العمارة؛ في نجد وحائل والأحساء والجوف والباحة ونجران وعسير والطائف، بكل ألوانها وأشكالها ودلالاتها.. بالله كيف يستطيعون مجاراتها. مطبخ سعودي ثري يبدأ من قرص الملة، والعريكة، والجريش، والمعرق، والميفى، وخبز المقناة، والرُقش، ولا ينتهي في تفاصيل وذائقة وآداب مائدة وضيافة ابتكرها إنسان الأقاليم السعودية منذ آلاف السنين، وحافظ عليها ولم يتخلَّ عنها. معصب النساء الأصفر والأسود والشرشف الأبيض والعباءة السوداء بكل تفاصيلها الاجتماعية، لا يعرف دلالتها ذلك الواقف هناك على حدود الكراهية والغيرة. ثياب النساء المذهلة الباذخة بألوانها وفصوصها وزركشاتها التي نسجتها أيدي الأمهات والجدات على مدى خمسة آلاف عام في الطائف والباحة وعسير وبادية تهامة وعالية نجد والشمال ونجران وجيزان.. دعونا نسألهم كيف يستطيعون أن يعيشوا خمسة آلاف عام مثلنا دون محتلٍّ ومستعمرٍ وبحارٍ. اليوم يعلم (الأعداء، والأعدقاء) أن اختطاف الشارع السعودي مستحيل، فهم ملتفون حول وطنهم وقيادتهم، مؤمنون بالمشروع، ومدافعون عنه، ومتفهمون لحاجاته. إذاً، ما الحل من وجهة نظر محدثي نعمة السياسة؟! كسر إرادة السعوديين وتشويههم واغتيال شخصيتهم والحد من تأثيرهم وإسقاطهم في الشارع الخليجي والعربي من خلال إثارة العداوات بينهم وبين جوارهم، وبناء ضفتين من الكراهية والاستعداء، كل ذلك ليس عفويّاً، ولا مِن مغردٍ متحمسٍ، بل حرب خشنة بلا قيم، ومخطط لها بدقة وعناية. محدثو (نعمة السياسة)، ينسون أن السعودية هي تراث سياسي لإمبراطورية عربية يزيد عمرها على 300 عام، ومحاولة تقزيم السعوديين وإلصاق تهم متنوعة بهم، هو تكتيك مكشوف؛ الهدف منه زرع الإحباط وكسر إرادة المجتمع من داخله لتسهيل إسقاطه، ولعلنا نتذكر أن الأعداء السابقين على مدى ثلاثة قرون منذ وادي الصفراء وحتى اليوم، وهم يحاولون إسقاط السعوديين وكسر إرادتهم ولم يستطيعوا.