بداية من العام 2010، بدأ صراع مرير بين السعوديين الذين تمترسوا خلف وطنهم ومجموعة من الخصوم، والأعداء، والأعدقاء. خصوم متنوعون ومختلفون، يجتمعون فقط على هدف واحد وهو: محاولة إسقاط الدولة السعودية وتفكيكها وتحويلها لدولة فاشلة. الصراع حمل أشكالاً كثيرة، لكنه وظف بكثافة وسائل التواصل التي صادفت طفرتها ما يسمى بالربيع العربي، بالفعل كانوا جاهزين - أقصد الخصوم - الذين استخدموا اليوتيوب وصنعوا برامج معادية داخلية، وتويتر الذي دفعوا به ليكون رأس حربة المشروع، بإطلاق الشائعات وحشد الجماهير وخلق الانطباعات، فضلاً عن تشويه الدولة ورموزها وبناء رموز بديلة. كان الهدف النهائي تحريك الجماهير، ليكونوا أداة طيعة في أيديهم كما فعلوا في مصر وسوريا وليبيا. امتد الصراع ليشمل كل شيء، الديني، والاقتصادي، والسياسي، والولاءات، حتى وصل إلى الرواتب ومقارنتها بدول مجاورة، كما تم اختراع قضايا وإطلاق قصص وهمية ليس لها مصداقية، أو تحويل قصص معزولة وفردية، ربما يكون أساسها صحيحاً، ولكن يتم تضخيمها لتكون فقاعة يمكن تفجيرها. من الراتب لا يكفي الحاجة، إلى قيادة المرأة السيارة، مروراً بالابتعاث، وعمل الفتيات في الأسواق، والاختلاط، ورياضة البنات، والوقوف للسلام الملكي، والاحتفال باليوم الوطني، قضايا تتوالد وتتناسل من لا شيء وبلا مبرر، هدفت لتفتيت الوحدة الوطنية واختطاف القرار الاجتماعي. كل تلك المحاولات التي حشد لها بكثافة واستثمرت فيها المليارات من الدولارات، وبنيت مئات المنصات من أجلها، اصطدمت بجدار واحد صلب هو «الولاء الشعبي للقيادة والوطن»، جدار سقط تحته الكثير، منهم أعداء الداخل ومنهم أعداء الخارج (التيار القومي، والشيوعيون، والبعثيون، واليساريون، وجهيمان) على مدى مئة عام. المتفاجئون بحجم الولاء لم يصدقوا ما يرونه على وسائل التواصل عندما استطاع السعوديون خلال أشهر من بداية الخريف العربي قلب الطاولة على «الحرب الكونية الحديثة» الموجهة ضدهم، واعتبروهم أول الأمر مجرد موظفين خلف الشاشات، وعند تحليل ملايين الدفوعات وجدوها متنوعة وحماسية وعفوية، بمعنى آخر غير مصنوعة، كلها ردات فعل سعودية وطنية، بالتأكيد تحمل الكثير من الرومانسية أحياناً، واندفاعاً في أحيان أخرى لكنها صادقة وعميقة وحقيقية وفي نهاية الأمر هزمت كل الأعداء. لذلك جاءت على الفور فكرة اغتيال الشعب السعودي معنوياً، بجانب الاغتيال الممارس ضد قياداته ورموزه، هذا الاغتيال هدف أولاً إلى إحباط السعوديين، وتشويههم أمام أنفسهم وأمام الآخرين، مع محاولة فصل المدافعين عن بعضهم البعض، وفصلهم عن النخب. وصف وطنجي - الشهير -، على سبيل المثال، أطلقه أحد أدوات الإخوان المسلمين في الداخل، عندما انهارت أحلامه وأحلام قياداته، لذلك أراد الانتقام من المدافعين بإطلاق وصف وطنجي عليهم، وهو امتداد لأوصاف أقدم مثل «حكومي» أو «مباحث»، كلها أُطلقت لفصل من يدافع عن بلاده عن غيره من الساكتين أو غير المبالين. الخصوم لم يستطيعوا استيعاب أن ملايين السعوديين يتحركون دفاعاً عن وطنهم بشكل عفوي، ليس من أجل راتب، وليس من أجل هبات وعطايا، بل إيماناً منهم بقيادة رشيدة تشبههم، ووطن تحصلوا عليه بعد رحلة خمسة آلاف سنة من التيه في صحاري الجزيرة العربية، والتفريط فيه يعني أن رحلات أخرى من الألم قد لا تنتهي. فكرة «الوطنجي» تتكرر هذه الأيام، ولكن بشكل آخر، وهي «مهايطي»، فالأعدقاء والأعداء يحاولون تشكيل انطباع جديد عن السعوديين داخل المنظمة الإقليمية والعربية أنهم مجرد قشرة حضارية، وأن ما يفعلونه اليوم من بناء لمشروع متمدن ورؤية ممتدة لا يعدو أن يكون ادعاءات ليس لها وزن. من يطلقون هذه الكلمة - أي مهايطي - استقدموها من القاموس الشعبي السعودي، إذ لم يجدوا في قاموسهم الفقير شيئاً يمكن أن يهاجموا به السعوديين إلا سرقة كلمة محلية، يصادف أيضاً أن هؤلاء يكررون نفس أدوات الاغتيال القديمة والفاشلة، فينشرون مقارنات مجتزأة عن قضايا متنوعة، منها على سبيل المثال حجم الدخل مثلاً بين شعب تعداده 30 مليوناً وشعوب أخرى تعدادها بضعة آلاف أو بضعة مئات من الآلاف، هجوم لا يختلف عن أشرس الأعداء الذين حاولوا في بداية الخريف العربي توظيف هاشتاق «الراتب لا يكفي الحاجة» لإثارة الشارع، فهل التقت أهداف «الأعداء، والأعدقاء» من أجل خلخلة الولاء وإحداث شرخ في الداخل السعودي؟