قيل: «تكثر الأقوال عندما يرغب الناس في إقناع الآخرين، ولكن الإصغاء هو ما يحقق التأثير الحقيقي»، للمؤلف الأمريكي «ديل كارنيجي».. وأقول: الإصغاء الدقيق مهارة ضرورية لبناء العلاقات الإنسانية، ومن يقدِّر الآخرين ويحترمهم فليستمع لهم بفعالية، فالناس تنفتح لمن يصغي إليهم.. إذن؛ كيف نطوِّر مهارة الإصغاء الذكي لدينا؟، وكيف نمرن عقولنا على فن الإصغاء؟، وكيف نمارس الاستماع النشط ونطبِّقه في حياتنا؟. •• •• •• حين نصغي لذواتنا والآخرين بلغة الينابيع الصافية في فصول الاخضرار؛ نعلن الحب فنمد أيدينا البيضاء كشجرة مثمرة لا تعرف اليباس.. ومن يتقن «فن الصمت» عندما يتحدث الناس؛ سيعرف لآلي المعاني القادمة من الآخرين لينسج بعدها خيوطاً بديعة من الكلام الطروب.. أما من يتأمل ذلك الدواء الشرعي السحري (ما زاغ البصر وما طغى)؛ فسيتعرف على الوصف الرباني لفن الإصغاء لنبي الهدى. •• •• •• في تقشف اللسان عن الكلام، والصبر على حِدة المتذمرين من الدنيا؛ لن تفوتنا التفاصيل الدقيقة لحماية أنفسنا من رعشة الحياة.. وفي محطة اللا مبالاة لمشاعر الناس بمقاطعة دائمة لأحاديثهم؛ عبث بثقافة التفاني لأجل الآخرين، حينها تصبح الحياة لدينا دون قيمة.. أما حين نطبع صورتنا على طوابع ثقافة الإصغاء؛ فسوف نتحصَّن بجسور ثابتة نصنعها من مطر الصبر لنسقي بها أنهار سعادتنا. •• •• •• بين إنسيٌ عصيٌ التغيير عن الكلام بعكس التيار، ومن يحاول إثبات شيء لذاته بثقافة مصطنعة؛ إصابة بالغليان الفكري والأيام الثقيلة.. وبين من يصيب الإقبال على الحياة، ومن يحرز صفتا الموضوعية والثقافة؛ أناس جديرون بالعيش بينهم، فيغروننا بالميل نحوهم والاستمتاع بمجالستهم.. وبين تجلية صمت في محارة كلام الناس، وتحلية نقاش في دنيا المنطق والبرهان؛ حذاقة بوح بما نملك من علم وتجربة. •• •• •• وعند كلام «الشافعي»: «من سمع بأذنه صار حاكياً، ومن أصغى بقلبه كان واعياً»؛ استعانة على الكلام بالصمت، وعلى الاستنباط بالفكر.. وأولئك القوَّالون الثرثارون، القادمون من الخلف، الباقون في البؤس؛ يعيشون عُمراً بطيئاً ويمتطون انهزاماً وارتعاداً متشابكاً نشفق على غيبوبتهم الراكدة.. فإذا خدش ريح الصمت أحلامهم المتأخرة، وألسنتهم الشحوبة الضامرة فكرياً؛ غسلوا أرواحهم بشرارة ملأت قلوبهم، مثل عتمة سماء حالكة الظلام.