مثلت عملية (7 أكتوبر) صدمة كبيرة، أدت إلى تغيير المواقع العسكرية وإعادة الحسابات بشكل كلي، تخوفاً من ارتدادات الزلزال على المنطقة، وبعد هذه العملية أرسلت العديد من الدول الغربية، سفناً حربية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، في أكبر حشد عسكري منذ عقود، خشية من ردود فعل إقليمية. معظم الدول الغربية؛ وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، عززت مواقعها العسكرية في المنطقة، وأعلنت بشكل واضح أنها معنية بحماية إسرائيل، وبدت المسألة أن إسرائيل هي خط أحمر بالنسبة للدول الغربية. كان العالم يراقب عن بُعد، لكن دول المنطقة كانت تراقب عن قرب، خصوصاً سلوك (حزب الله) وأمينه العام حسن نصرالله، لكن النتيجة كانت فهماً جديداً للصراع في الشرق الأوسط، والابتعاد عن التصريح كما هي العادة في اللغة المرتفعة! وبعد ما يقارب من أسبوعين على العلمية الإسرائيلية، والاعتداءات المتكررة على الجنوب اللبناني واستهداف مقاتلين من (حزب الله)، قرر نصرالله أن يخرج على الإعلام ليعلن موقف الحزب من هذه الحرب، والحقيقة كان هناك توقع بتحرك ولو جزئي لتخفيف الضغط على غزة، إلا أن هذا لم يحدث، وتبين أن مسألة المشاركة في الحرب مسألة من الماضي، وأي حسابات خاطئة ستكون العواقب وخيمة. في الثالث من نوفمبر، ظهر نصرالله يتحدث عن أن الحرب مع إسرائيل بالنقاط، بمعنى أنها ليست جولة عسكرية فقط، وإنما مسألة لها أوجه عديدة، يمكن أن تكون محصلة النقاط هي النتيجة، كان الهروب من المواجهة واضحاً لا لبس فيه، والواقع أن معظم الشعب اللبناني يؤيد حياد (حزب الله)؛ لأن أي حرب ستكون مدمرة على لبنان، لكن هذا الخيار لم يكن يوجب الحفاظ على أمن اللبنانيين، بقدر ما هو الشعور بالخسارة العظيمة للحزب. تصاعد الضغط على (حزب الله)؛ مدنياً وعسكرياً، إلى أن قُتل أحد أبرز القيادات -المسؤول الأمني عن وحدة الرضوان القتالية وسام الطويل-، مع ثلاثة من القيادات العسكرية، ومع ذلك ظلت خيارات الرد محدودة بل معدومة، والسؤال: هل (حزب الله) خائف من المواجهة؟! في حرب تموز 2006، دخل (حزب الله) في مغامرة غير محسوبة في مواجهة مع إسرائيل على الحدود الجنوبية، وليس من المعتاد أن يبدأ (حزب الله) عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن عام 2006 كان مختلفاً؛ نتيجة تطور وضع (حزب الله) العسكري وإحساسه أنه قادر أن يلتقط زمام المبادرة العسكرية مع إسرائيل، وكانت نتيجة المواجهة حرباً ضروساً دفع ثمنها الشعب اللبناني والدول العربية؛ التي قدمت مساعدات إعادة الإعمار إلى لبنان دون النظر إلى ممارسات ومغامرات (حزب الله). في عام 2011، دخل (حزب الله) إلى سورية إلى جانب آلاف المليشيات لخوض حرب مفتوحة، واستمر إلى هذه اللحظة، لكن النتيجة كانت شبه محسومة لمقاتلي الحزب وداعميهم، وهذه هي المعارك المفضلة ل(حزب الله). إن (حزب الله) كان ولا يزال أكبر خطر على لبنان الدولة، وهو يتصرف كونه مليشيا خارج نطاق الدولة، على الرغم من مشاركته في الحكومة والبرلمان والحياة السياسية، لكن ليس سراً القول إن (حزب الله) شيء، ولبنان الدولة شيء آخر. على الأرجح أن (حزب الله) اليوم أضعف من أن يشارك في عملية عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، على الرغم من الضربات الإسرائيلية الموجعة التي تلقاها منذ بداية الحرب على غزة، إضافة إلى عدد قتلاه الذين استهدفتهم إسرائيل في الآونة الأخيرة، لكن المؤلم في لبنان اليوم أن الكل يخشى قراراً خارج الدولة اللبنانية، أما الحكومة فلا نبالغ إذا قلنا إنها تراقب الأوضاع السياسية والأمنية على شاشات التلفزيون، ولهذا فإن (حزب الله) في كل أزمة في لبنان يظهر على أنه السؤال المحرج والصعب في الحالة السياسية اللبنانية. (حزب الله) لا يدخل في معارك نتيجتها الموت أو الحياة، لم يحصل هذا في تاريخ الحزب، فلسفة المليشيا دوماً هي الإزعاج وتنفيذ عمليات تكسب نتيجتها جهة راعية، وفي حالة (حزب الله) مع ارتفاع مستوى الجدية الإسرائيلية في استهداف قيادات (حزب الله)، أدرك الحزب أنه في مرحلة خطر، وهذا سيؤكد صوابية موقفه بالابتعاد عن لهيب غزة، من هنا يمكن أن نفهم كيف يفكر (حزب الله).