عندما وقف رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتانياهو، في منطقة الشمال، الاسبوع الماضي، واتهم إيران بالسعي الى إشعال حرب بين اسرائيل وسورية مدعياً في الوقت ذاته ان اسرائيل ترغب في سلام مع دمشق ودول المنطقة، كانت طلقات المدفعية الاسرائيلية تدوي في المكان من حوله، فيما علم «حزب الله» يرفرف فوق العديد من البيوت المنتشرة على مساحة ارض شاسعة شبيهة بجغرافية لبنان. البيوت مكتظة ومصنوعة من الجص، وقريبة من طبيعة البيوت التي واجهها الجيش الاسرائيلي خلال حرب تموز (يوليو) 2006. وقفة نتانياهو كانت خلال تدريبات مكثفة يجريها الجيش الاسرائيلي، هذه الفترة، في الشمال وتحاكي سيناريو حرب على لبنان يحاول خلالها الجيش التدرب على احتلال المنطقة اللبنانية والسيطرة على مقاومي «حزب الله» او القضاء عليهم. هذه التدريبات الاكبر منذ مطلع السنة على سيناريو حرب على لبنان تحاكي السيناريوات التي تناقشها أجهزة الامن الاسرائيلية وتتصاعد خلالها التصريحات باحتمال وقوع حرب في الصيف تبدأ بتصعيد التوتر على الحدود الشمالية فتمتد الى الحدود الجنوبية مع «حماس» وتتحول الى حرب شاملة على مختلف الجبهات تتعرض خلالها اسرائيل للقصف بعشرات الصواريخ في آن واحد. ويبدو أن اختيار نتانياهو اطلاق تصريحاته من هذا المكان، بالذات، واختيار هذه النوعية من التدريبات ليس مصادفة، على رغم انه حاول ان يؤكد ان اسرائيل لا ترغب بالحرب، بل بالسلام والأمن والاستقرار. فعلى عكس التدريبات العسكرية الكبيرة التي اجريت مطلع هذه السنة ونقلت الى النقب، تجرى اليوم التدريبات في الشمال. في حينه لم تقتصر تلك التدريبات على احتلال بلدات لبنانية، بل كانت تحاكي دخول الجيش الاسرائيلي الى قرية سورية أيضاً واحتلالها. وشاركت فيها قوات من سلاح البر وأخرى من الجو. وفي حينه ألغت الاجهزة الامنية تجنيد عدد كبير من جنود الاحتياط للمشاركة في هذه التدريبات حتى لا يفهم الامر خطأ من الطرف السوري بأن اسرائيل تنوي شن حرب عليها ونقلت التدريبات الى النقب في الجنوب بدل الشمال. وخرج مسؤولون عسكريون وسياسيون بحملة تصريحات تؤكد أن هذه التدريبات لا تتجاوز مسألة الاستعداد وبأن اسرائيل لا تنوي المبادرة الى اي توتر عسكري مع سورية. أما اليوم فالأمر مختلف. نتانياهو يراقب تدريبات على حرب على لبنان ويوجه حديثه الى سورية وإيران فيما الاجهزة الامنية، وفق ما كشفت جهات اسرائيلية، كانت تبحث وفي شكل مكثف في كيفية التعامل مع مواصلة تعزيز القدرات العسكرية ل «حزب الله» وسط حال من الارتباك في كيفية اتخاذ القرار. هل ترد على تهريب الصواريخ المتطورة والدقيقة الى «حزب الله» بضربة عسكرية تجر فيما بعد المنطقة الى حرب تظهر اسرائيل امام العالم بأن المبادرة لها، على عكس التصريحات التي تروج لها؟ ام تنتظر ان يأتي من يخل بالهدوء من الطرف الآخر لتضرب ضربتها وترد على صواريخ «سكود» و «ام - 600» التي، بحسب الاسرائيليين، يملكها «حزب الله» وتهدد بإخلال التوازن العسكري في المنطقة. جواب المسؤولين العسكريين والامنيين على هذا السؤال هو التهرب، بالقول ان الاجتماعات لدراسة الموضوع متواصلة وإسرائيل في حيرة حقيقية. ولكن بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية ينقل على لسان ضباط كبار في قيادة الجيش ممن شاركوا في التدريبات التي تشهدها حالياً منطقة الشمال انتقادات لنتانياهو ومعه أيضاً لرئيس اركان الجيش، غابي اشكنازي، الذي رافقه في زيارته الى الشمال. وبحسب هؤلاء لا توجد لدى نتانياهو واشكنازي سياسة واضحة للرد عسكرياً على «حزب الله» ولا حتى خطة عسكرية لوقف تدفق الأسلحة والصواريخ من سورية له. وخرج هؤلاء الضباط بعد مغادرة نتانياهو واشكنازي موقع التدريبات بانطباع ان السياسة الوحيدة الآن في إسرائيل هي عدم القيام بأي عملية عسكرية لوقف تدفق الصواريخ من سورية الى «حزب الله» وانه يجب على قيادة الجيش الانتظار حتى يبدأ «حزب الله» بالحرب. وبحسب هؤلاء الضباط فإن كلاً من نتانياهو واشكنازي يريدان الحفاظ على الهدوء السائد مع لبنان و «حزب الله» وليكن الثمن ما يكون. ويرى أحدهم ان ما يجرى اليوم في الجبهة الشمالية يشبه بالضبط ما حدث قبل نشوب حرب تموز وقال: «نعم لدينا تحسن في المعدات اللوجيستية ولكن لا يوجد اي تغيير في التفكير الاستراتيجي. فما حدث قبل عام 2006 يتكرر اليوم في 2010». الرد الاول على هذه الأصوات جاء من القائد السابق لمنطقة الشمال، الوزير يوسي بيلد الذي قال: «اسرائيل ليست معنية بمواجهة عسكرية مع لبنان او سورية ولكن الامر يتطلب ان نأخذ بمنتهى الجدية التهديدات الصادرة عن قيادتي «حزب الله» ودمشق. وبأن تسلح «حزب الله» في السنوات الاخيرة له انعكاسات بعيدة المدى على اسرائيل». اما نائب رئيس اركان الجيش، بيني غانتس، المرشح الاقوى لخلافة اشكنازي في رئاسة الأركان ويصفه الاسرائيليون ب «القائد الذي سيخوض الحرب المقبلة»، فناقضت تصريحاته تصريحات ضباطه وتماشت مع سياسة الامنيين والسياسيين العسكريين الحالية المبنية على قاعدة «اسرائيل لا ترغب بالحرب لكنها تواصل استعدادها». ويقول غانتس: «نحن نعيش في منطقة متوترة. علينا ان نرتاح للهدوء الذي تشهده هذه المنطقة ولكنني أقترح على الجميع أن لا نعتمد عليه». ويضيف: «مبدئياً لا يوجد لدى أي لاعب في المنطقة مصلحة بالتصعيد. ولا أرى سبباًَ للتصعيد ولكن، نحن نمتلك مستوى عالٍ من قوة الردع ونواجه تحدياً كبيراً جداً وبجاهزية عالية. واضح انه لا يوجد خلاف حول اي شيء سوى اننا نريد ان يسود الامن في المنطقة ونحن هنا ندرك تماماً كيف سنرد على أي تهديد لهذا الأمن». واختلف غانتس مع الاصوات التي تروج الى ان الجبهة الداخلية في اسرائيل قادرة على مواجهة الصواريخ المتوقع ان تصلها من الشمال والجنوب ويقول: «ليس من الحكمة او الذكاء الادعاء بأن التهديد على الجبهة الداخلية غير موجود. انه قائم ويمكن الشعور به. انه تهديد ملموس». حديث غانتس جاء بعد مرور عشر سنوات على الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان وفي ظل النقاشات العسكرية الداخلية حول كيفية الرد على الوضع الحالي لدى «حزب الله». وقد حاول ان يؤكد، خلافاً لضباطه، ان الوضع اليوم مختلف تماماً ف «اسرائيل - 2010» بحسبه ليست «اسرائيل 2006» ولا اسرائيل ما بين «2000 و2006». اسرائيل اليوم، برأيه، قادرة ومستعدة للمواجهة. والاستعداد الذي يتحدث عنه غانتس هو الاستعداد العسكري في كيفية ادارة المعارك. ولكن من جهة الجبهة الداخلية فالأمر مختلف وكغيره من العسكريين والامنيين على قناعة بأن اسرائيل ما زالت غير جاهزة لحماية الجبهة الداخلية. حديث غانتس هذا لا يقنع الجهات التي تستعد للتدريبات الضخمة التي ستجرى تحت عنوان «نقطة تحول - 4» واختير اليوم الاول منها في 23 من الشهر الجاري، يوم الانسحاب من جنوب لبنان وستستمر حتى 28 الشهر. نائب وزير الدفاع، متان فلنائي، المسؤول عن هذه التدريبات لا يتراجع عن موقفه بأن اسرائيل قادرة على حماية سكانها من اي تهديد وعلى اية جبهة. ويؤكد كغيره من السياسيين والعسكريين ان «نقطة تحول - 4» لا تتجاوز مسألة ضرورة الاستعداد لوقوع حرب وبأن بلاده لا تقصد بهذه التدريبات بأنها تنوي حرباً مع لبنان أو سورية. ويرفض فلنائي الحديث عن ان ضرورة هذه التدريبات منطلقة من الخوف من ان ما يملكه «حزب الله» او سورية من صواريخ يمكنها ان تصل الى كل مكان في اسرائيل وتهدد كل مواطنيها ويؤكد أن «اسرائيل كلها معرضة للصواريخ من الشمال وحتى الجنوب ونحن واجبنا الاستعداد». وخلافاً للتدريبات السابقة التي اجريت عام 2008 تحت عنوان «نقطة تحول - 2» والسنة الماضية تحت عنوان «نقطة تحول - 3» فإن «نقطة تحول - 4» تحاكي حرباً شاملة تضطر اسرائيل خلالها الى نقل السكان في شكل منظم وستتدرب على كيفية نقلهم الى مستوطنات الضفة الغربية . وبموجب السيناريو الذي تحاكيه هذه التدريبات تبدأ الحرب بتصعيد عسكري على الحدود الشمالية بين الجيش الاسرائيلي و «حزب الله» وتتعرض خلالها اسرائيل لإطلاق مكثف للصواريخ تؤدي الى رد عسكري قاسٍ على لبنان، في أعقابه تتوتر الحدود الجنوبية مع قطاع غزة فتتعرض اسرائيل لإطلاق صواريخ فلسطينية تصل الى مركز اسرائيل وتصيب أبنية شاهقة وقاعدة وزارة الدفاع. خلال ذلك تعقد الحكومة جلسة طارئة برئاسة رئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، ثم يعقد المجلس الوزاري الأمني المصغر اجتماعاً لاتخاذ قرار الرد على صواريخ «حزب الله». وفي اثناء ذلك تكون طواقم الإنقاذ تنقل مئات المصابين الى المستشفيات فيما يساعد جيش الدفاع المدني السكان على الهرب الى مستوطنات الضفة الغربية. المشرفون على التدريبات لا يسقطون من حساباتهم ان يستخدم «حزب الله» صواريخ «سكود» على رغم ان عسكريين وخبراء لا يعتقدون ان هذه الصواريخ ستزيد من الخطر الذي يهدد اسرائيل من مجمل الترسانة الصاروخية التي يملكها «حزب الله». ولكن التدريبات تأخذ بحساباتها التقارير التي تتحدث عن احتمال ان يكثف «حزب الله» من استخدام صواريخ متطورة ودقيقة تستهدف المطارات ومقرات القيادات ومواقع حساسة وتخصص لذلك يوماً في حيفا للتدريب على اصابات تؤدي الى تسريب غازات ومواد سامة تهدد حياة آلاف سكان المنطقة ومواقع هامة ايضاً في تل ابيب. وعند الحديث عن «نقطة تحول - 4» وبأنها تأتي لتلبية حاجة الاستعداد الاسرائيلي تعود الاصوات المحذرة من خطر نشوب الحرب على الحدود الشمالية في ظل تقارير تؤكد أن اسرائيل لا تملك بعد منظومات الدفاع القادرة على هذه الصواريخ وبأن الموازنة التي ذكر بأن وزير الدفاع، ايهود باراك، انه اتفق في زيارته الاخيرة الى واشنطن للحصول عليها لاستكمال منظومة «القبة الحديدية» لم يصادق عليها بعد وحتى تنتهي هذه الاجراءات وتصل الاموال الى الصناعات الاسرائيلية لاستكمال هذه المنظومة يكون الوقت قد تأخر. وفي التقارير الاسرائيلية ما يلفت الى أهمية ان يعد متخذو قرار الحرب خطة واضحة المعالم لمواجهة خطر الحرب بعدم الاعتماد على حقيقة ان اسرائيل مستعدة لحماية الجبهة الداخلية. وجاء في هذه التقارير: «إذا دفع الجيش الاسرائيلي الى مواجهة في لبنان فسيكون من الواجب احتلال مناطق واسعة لإبعاد نيران صواريخ ال 122 ميلليمتراً، (التي تستطيع بلوغ مدى 40 كيلومتراً) وأن يقوم في الوقت نفسه بعملية صعبة معقدة لاصطياد قواعد الإطلاق الثقيلة»، وتضيف هذه التقارير ان «حزب الله» جزءاً من الحكومة اللبنانية والتأييد الذي تبديه حكومة لبنان له سيمكن اسرائيل من العمل بحرية أكبر في مواجهة «حزب الله». فعندما يصبح لبنان و «حزب الله» شيئاً واحداً، تستطيع اسرائيل أن تزيل جزءاً من القيود التي فرضتها على نفسها في 2006 وتقصف كل شيء في لبنان. وتضيف التقارير، انه ستكون هذه حرباً أشد، على الجبهة الداخلية وعلى الجيش أيضاً، ولهذا.. «لا ينبغي المبادرة اليها. لكنها إذا وقعت – فإنه يجب النجاح فيها لنبين للمحيط المنفعل أن خيار استعمال النار أيضاً في مواجهة دولة اسرائيل غير مجدٍ». ايال بن رؤوفين، الذي شغل منصب نائب قائد الجبهة الداخلية خلال حرب لبنان الثانية يؤكد على ضرورة مواصلة الاستعداد الاسرائيلي لحماية الجبهة الداخلية لكنه في الوقت نفسه يحذر من ان الحرب المقبلة ستكون مأساة كبرى ويجب منعها». وبالنسبة الى بن رؤوفين فإن اسرائيل مستعدة اليوم وأفضل بكثير مما كانت عليه عام 2006 فقد تعلمت الدرس من الحرب الاخيرة. ويقول: «لدينا اليوم اجوبة افضل من السابق ولدينا أيضاً ادوات افضل وأملي ان لا نحتاج الى استخدامها». ويضيف: «أنا قلق والهدوء الحالي لا يكفي. التدريبات مهمة وضرورية لأن من حق اسرائيل الاستعداد لأي طارئ». ولكن ما هو سبب قلق بن رؤوفين على رغم ان الاسرائيليين عسكريين وأمنيين يؤكدون أن الجيش اليوم على اكمل استعداده لمواجهة مقاتلي «حزب الله» وسورية و «حماس»، في ان واحد، وتدريبات «نقطة تحول - 4» ستساهم في استكمال الاستعداد لمواجهة خطر الصواريخ وحماية الجبهة الداخلية؟ القلق نابع ، بحسب بن رؤوفين، مما يحدث في لبنان ويقول: «الكل يعرف الجهود التي يبذلها «حزب الله» لجمع الاسلحة وتعزيز ترسانته العسكرية. فمن المفهوم ان تتولى دولة جوع السلاح لكي تردع وتمنع الدول المحيطة بها من الاعتداء عليها، لكن ان يجمع تنظيم «ارهابي»، على حد تعبيره، السلاح فطبعاً لن يكون للدفاع، بل لاستخدامه. ويختتم: «واضح انه لو كان ما يمتلكه «حزب الله» من قوة عسكرية مع حكومة لبنان لكان الأمر مختلفاً. ولكن طالما هو بأيدي «حزب الله» فهو أمر مقلق ويزيد القلق عندما يعطي رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، الشرعية لمثل هذا السلاح».