الإيجابية هي بحد ذاتها جامعة لكثير من الفضائل والمثاليات ولذا هي مطلوبة من الإنسان في كل الأحوال لكن أحياناً يتم تطبيقها بشكل لا عقلاني خاطئ له مثال الطبيب الذي يقول لأهل المريض مبروك العملية نجحت لكن المريض مات، وهذا تماماً مثال من يحاول أن يعثر على إيجابيات في العملية التي استجلبت على أهل غزة مقتل حوالي عشرين ألف إنسان عزيز على أحبته ومثلهم من الجرحى ومن أصيبوا بإعاقات وبترت أطرافهم وتدمرت غزة، مع العلم أن إسرائيل تمنع دخول مواد البناء إلى غزة ولذا أهل غزة يعيدون تدوير ركام بيوتهم، هذا غير المعتقلين وأكثر من مليون من المهجّرين، فما الفائدة إن نجحت العملية لكن ماتت غزة؟ ومقولة إن العشرين ألف إنسان الذين قتلوا هم فداء لكذا وكذا من الشعارات الطوباوية ليست من الإسلام في شيء؛ ففي الإسلام الإنسان أعظم حرمة ومكانة حتى من الكعبة «عن عبدالله بن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً». واستسهال قيمة دم الإنسان بالخطاب الإسلامي السائد مقابل الشعارات الطوباوية هو سبب لا مبالاة الجماعات بردات الأفعال الانتقامية على عملياتهم، وهو انحراف واضح عن مضمون الحديث النبوي، لكن للأسف يتم ترقيع الخسائر الفادحة بالأرواح والممتلكات بالإيجابية الخاطئة التي تصرف النظر عن عواقب ردات الأفعال الانتقامية على العمليات ضد إسرائيل بادعاء وجود مكاسب معنوية في المجازر التي وقعت على أهل غزة والدمار الشامل مثل أنها ولدت فضولاً لدى الغربيين لقراءة القرآن لمعرفة سر القوة النفسية للفلسطينيين، لو كان القتلى والمقطعة أطرافهم والمشوهون بالحروق هم أهل القائل بوجود إيجابيات لما حدث في غزة لكان هاجم أي أحد يقول إن هناك إيجابيات لإبادة أهله ودمار حياته وجعله يفقد كل شيء، الإيجابية التي ليست في محلها لها مثال من يضع المكياج على وجه جيفة لكي يجعلها تبدو حية لكي لا يحزن لموتها، المكياج لا يغير الواقع؛ جميع الجماعات التي تستجلب الدمار والمجازر على المسلمين في ردات الأفعال الانتقامية على عملياتهم يجب أن تتم مواجهتها بمسؤوليتها عن سفك دماء المسلمين وتدمير مدنهم بدل مخادعة النفس بوجود إيجابيات معنوية تبرر الخسائر الواقعية الفادحة التي لا يعوضها شيء، والإيجابية الخاطئة في النظر إلى ما حصل في غزة يتكرر بالخطاب الإسلامي السائد في النظر إلى الأوضاع السيئة للبلدان العربية والإسلامية، ومكياج الإيجابية الخاطئة يضلل النفس والآخرين ويصرفهم عن النظر في الأسباب الواقعية لنكباتهم وسوء أوضاعهم، تماماً مثل من يزين للناس الفقر والبؤس بمكياج الروحانية بدل أن يخبرهم عن كيفية علاج الفقر والخروج من البؤس، وأصحاب الحال لا يمكن خداعهم بخطاب الإيجابية الخاطئة ومكياجها، فمن ينخدع به هم المتفرجون، ومن عواقب انخداعهم به أنه يشعرهم بعدم المسؤولية عن المساهمة في علاج الأوضاع، لذا خطاب الإيجابية الخاطئة أضراره مضاعفة ويظلم أصحاب الحال البائس، فأول خطوة لعلاج أي علة الاعتراف بالمرض وتشخيصه بشكل صحيح بدل صرف النظر عن ألم المريض وإقناع الطبيب بعدم علاجه لأن هناك فوائد معنوية من عدم تشخيص وعلاج المريض، ولذا أمراض العالم العربي والإسلامي مزمنة ومستمرة منذ قرن لأنه بدل تشخصيها بشكل صحيح وعلاجها يتم ترقيعها بخطاب الإيجابية الخاطئة، وليس من مصلحة أحد تبني خطاب الإيجابية الخاطئة نكاية في خصم ما.