بعد أن عاد من شارع الهرم إلى منزله مع تباشير الصباح الباكر، أمسك بهاتفه المحمول وبدأ يفكر بكتابة نص ينتقد فيه موسم الرياض، ونشره على منصة فيس بوك أو تويتر X، بالنسبة له أحداث غزة تجري في عالم منصات التواصل الافتراضية وليس الواقع الذي لا يبعد سوى 462 كيلومتراً عن الجونة و348 كيلومتراً عن شارع الهرم ! هؤلاء الذين يعانون من حالة انفصام في تبني المواقف وإبداء الرأي، لا يملكون تأثيراً حقيقياً في واقع الأمر، وتجارب عشرات السنين من الحملات التي شنوها ضد السعودية لم تحقق شيئاً مهماً، تعددت العناوين وتبدلت الأزمنة، ولم تجد صداها سوى عند جمهور وإعلام دكاكين الشعارات العربية، التي تختص بتجارة الظواهر الصوتية الكاسدة ! كثير من الجمهور العربي بات اليوم يملك وعياً مختلفاً، شكّلته التجارب المريرة مع أصحاب الخطب الرنانة المغموسة بالبذاءة والآراء العاطفية المنقوعة بالكذب، لذلك لم تعد تلك الكتابات المسيئة والحملات المنسقة تؤتي أكلها مع بروز منصات التواصل الاجتماعي كفضاء مفتوح، أتاح لأصحاب العقول الراجحة والآراء الواعية نشر الحقيقة والتصدي للأكاذيب، فلم تعد ساحة الرأي حكراً على الإعلام الموجه ولم تعد نوافذه مطلاً لمرتزقة الكذب والتضليل والشتم والإساءة، دون أن يجدوا من يغلق عليهم نوافذهم ويلقم أفواههم أحجاراً ! موسم الرياض ليس شارع الهرم وأنديته الليلية، ولا مهرجان الجونة الفني، ولا أي مهرجان آخر في أي بقعة عربية أخرى، فهو جملة من الأنشطة والفعاليات التجارية والاستثمارية والترفيهية للسكان المحليين والسياح الزائرين، تدخل في صلب صناعة اقتصاد المدينة، والذي لا يجرؤ هؤلاء النقاد المسيؤون على انتقاده في بلدانهم، لأنهم يدركون أهميته لاقتصادهم وتوفير فرص كسب العيش لأبناء وطنهم، لذلك ليس مقبولاً ولا منطقياً أن تعمى أبصارهم عما هو تحت أقدامهم، وتمتد إلى الأفق البعيد لتوجه سهام النقد للآخرين، في ممارسة متناقضة تكشف أن المحرك ليس عاطفة عفوية أو منطقاً سليماً، بل كراهية دفينة وحقد بغيض يبحث عن أي فرصة لقذف أشواكه ونفث سمومه تجاه السعودية وحاضرها الزاهر ومستقبلها الواعد ! ما يزيدهم غبناً وقهراً واحتقاناً أنهم يجدون العلاقة السياسية بين المملكة ومصر متعافية ومتكاملة، بينما العلاقة الشعبية ضاربة في الجذور، وهي سياج الحب الذي لطالما عبّد الطريق بين البلدين والشعبين ووثق الروابط عبر التاريخ في كل أوقات الرخاء والشدة ! باختصار.. لم تتوقف الحياة في أي مدينة عربية، ولن تتوقف في الرياض، بيت العرب الذي يشهد حالياً أكبر حملة شعبية في العالم لجمع التبرعات لإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة، فلهم الأقوال المسيئة ولنا الأفعال المجيدة !