قبل أيام قليلة اضطرت دارة الملك عبدالعزيز (الخازن الأمين للتاريخ السعودي وكافة الوثائق المتعلقة به) إلى إصدار بيان واضح وحازم تجاه شائعة متداولة منذ سنوات على ألسن بعض الحكواتيين وعلى صفحات كثير من الوسائل والمنصات الإعلامية الناقلة دون تدقيق. الشائعة المتداولة متعلقة بتسمية المملكة العربية السعودية، وكان هدفها طوال السنوات الماضية تجيير مقترح تسمية هذا الوطن العظيم لصالح فئة من المواطنين دون أخرى على أساس مناطقي، إذ تشير إلى أن اقتراح تغيير اسم مملكة نجد والحجاز جاء من أهالي الحجاز فقط، وهذه معلومة يعلم الباحث المدقق أنها غير صحيحة، وأن تسمية المملكة العربية السعودية بهذا الاسم جاءت بناء على رؤية الملك المؤسس (طيب الله ثراه)، الذي أمر عام 1932م بتشكيل لجنة من موظفي الحكومة لتغيير المسمى، ومن ثم عرض الفكرة على المواطنين والاستئناس برأيهم، فتم إرسال برقيات لجميع مناطق المملكة لتنهال بعد ذلك البرقيات عائدة بتأييد الفكرة، ثم صدر الأمر الملكي رقم 2716 باختيار يوم 23 سبتمبر ليكون اليوم الذي أعلن فيه اعتماد توحيد المملكة العربية السعودية واعتماد تسميتها. هذه الشائعة وغيرها من الشائعات التي ما زالت تتناول التاريخ السعودي بمراحله الثلاث (الدولة السعودية الأولى، والثانية، والثالثة)، من شأنها صناعة امتيازات تاريخية وأحداث غير حقيقية لأمكنة وشخصيات، لأسباب مختلفة (ليس من المحبذ الخوض فيها)، لكنها شائعات موجودة، ومتداولة بشكل كبير في ظل الانفجار المعلوماتي، وتعدد المنصات، وسهولة صناعة المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي التي يتميز بها هذا العصر، وهو ما يجعل مهمة التصحيح ومواجهة الكم الهائل من المعلومات المغلوطة، وغير الدقيقة، أشبه بمعركة تاريخية لحماية التاريخ الوطني من العبث، وهذا دور عظيم تضطلع بشق كبير منه دارة الملك عبدالعزيز التي نقف لها احتراماً وتقديراً، ونشد أيدي القائمين عليها لمواصلة معركتهم التاريخية في مواجهة كل محاولات التزوير والعبث بتاريخ هذا الوطن العظيم. إن المطلع على تاريخ دارة الملك عبدالعزيز وجهودها العظيمة، يعرف أنها تقدم للباحثين والجمهور بشكل عام خدمات متعددة وأثيرة لمعالجة وتدقيق أي محتوى تاريخي أو معلومات متصلة بتاريخ المملكة القديم والحديث، وقد طوّرت خلال السنوات القليلة الماضية من أدوات وآليات تقديم هذه الخدمات، إذ باتت خدماتها رقمية بشكل عام ويمكن الحصول عليها عبر زيارة موقعها الإلكتروني https://www.darah.org.sa، ولعل من أبرز هذه الخدمات: - خدمات نشر الكتب وفحص البحوث وتعقيم وترميم المواد والوثائق التاريخية. - خدمة طلب معلومات عامة (قائمة مصادر أو مراجع) أو طلب استفسار عن معلومات تاريخية أو استفسار عن روايات شفهية، أو حتى طلب تسجيل رواية شفهية. - خدمة توفير الصور والمواد التاريخية للباحثين، من كتب ومقالات وصور وثائق. - خدمة نشر البحوث الجديدة في مجلة الدارة. هذا كله بجانب دورها المهم في الرصد وتصحيح المعلومات الذي ينبغي أن تتوسع فيه بشكل كبير وعلى نطاق دولي، إذ تعج المنصات العالمية بمعلومات عن المملكة وتاريخها معظمها منقول عن منصات عربية أو محلية غير محكمة، وكم أتمنى من كل قلبي أن تطلق الدارة موسوعة رقمية للتاريخ السعودي على موقع إلكتروني عالمي بمختلف اللغات بحيث يخدم تاريخ وطننا العظيم ورؤيته على المستوى الدولي، ويقدم الدعم للباحثين في التاريخ السعودي في مختلف بقاع العالم بلغاتهم، وهو حلم ليس بعيد المنال.