يحلو لنا درس سيرة الأموات، ولأن الميت غير متواجد للنفي أو الإثبات، يصبح أدب السيرة لمن رحلوا إناءً يحمل سوائل ممزوجة لا تعرف من ما هيتها سوى السيولة، ولأن كنوز الماضي أموال مستباحة، فالكل يميل إليها للإنفاق في الحلال أو الحرام. وتنبه المثل الشعبي لهذه السرقات حينما عبر عن ذلك بقوله (الكلام ما عليه جمرك) وبمعنى شعبي أيضاً (خذ راحتك)، ويحلو الحديث في العلاقات الثنائية والتي ليس على منتجها القولي شهود. ولأني وعدت باستكمال كتاب عن العشاق الذين فُصلت قلوبهم على النطع، وجدت نفسي ضائعاً بين مجازر العشاق، وأنا أنقب بين آلاف الحكايات والتي أبقت المرأة في قفص الاتهام كونها هي القاتلة، وتعليلاً لذلك نجده في الأسطورة الأممية في كون المرأة هي التي أغوت آدم على الأكل من الشجرة الملعونة، وبسبب تلك الغواية تواجدنا لنعيش هذا الكبد، هو تعليل لا يرتقي إلى أقل مستويات الحقيقة، فالمذنب هو آدم، وهناك إشارات قرآنية دامغة تؤكد أن مقترف الذنب هو آدم، إلا أن الحكي صار في دروب موازية للأسطورة الأولى، فظلت المرأة هي المذنبة، والمعذبة بصخرة سيزيف، وهذا يؤكد أن التهمة لا تزول حتى وإن تم تصحيحها بنص ديني، نحن لا نستطيع الخروج من قفص الحكي. وفي حكايات العشاق التي راجعتها بقيت المرأة في قفص الاتهام ، ويستطيع الباحث إخراجها من تهمتها ببساطة في كون من كتب الحكايات هم رجال تعنصروا لذكوريتهم، لتبقى في المكان الذي استقرت عليه، ولم تجاهد المرأة للخروج من التهمة ، فالشهرزاد ظلت تحكي ألف ليلة وليلة لكي توقف موت الأنثى إلا أن جوهر الحكايات المبثوثة هي محاولة للنجاة من القتل، أو محاولة للابتعاد والتبرؤ من خيانة زوجة شهريار. ومحاكم الأمم مجتمعة أبقت المرأة في قفص تلك التهمة، وأصدرت صكاً بأن المرأة هي المذنبة، وكما قلت التهمة الأسطورية الأولى جعلت منها المذنبة، بغض النظر عن حقيقة التهمة ذنباً أو براءة ، فالحكاية الأولى هي الطريق الوحيد الموصل إلى الإدراك حتى ولو كان طريقاً ينتهي بسد، والتعاقب السردي لحكايات المرأة ثبتها على تلك الحالة. وقد أفشيت سر كتاب العشاق، وتنبهت الآن أنني كنت حبيس ثقافة السائد المتواطأ عليه قولاً وعرفاً وعادة، من خلال تغريدة أكدت فيها «وكان علي أن لا أرتهن للثقافة السائدة بإلقاء التهم الجاهزة، ربما كان ذلك نابعاً من المخزون الأممي الذكوري المرحب بالسائد، والتغافل عن أي حقيقة تبعده عن موروثه الثقافي». وقد كُتبت التغريدة هكذا (في مراجعة لقصة أشعار أحمد رامي، اكتشفت أنه كتب 110 أغنية لعين أم كلثوم: لوعة وعشقاً. والآن أستطيع القول إنها كانت امرأة استغلالية، وفي أعلى مراتب بشاعة الاستغلال. الكارثة أنه كان يعلم استغلالها لنبضه!) ولأن الناس يؤمنون بما تعلموه في البدء، قلت إن أم كلثوم مارست الاستغلال وهي تهمة لا تليق بباحث أو قارئ متمكن أن يطلق تهمة (استغلالية) إلا أن الجذر الأول الأسطوري يسحبك من خطامك! وأردت استدراك ذاك العمى في كون أم كلثوم استغلت عاطفة رامي على محمل قول عمر بن ربيعة ليت هنداً أنجزتنا ما تعد **** وشفت أنفسنا مما تجد واستبدت مرّة واحدة ***** إنما العاجز من لا يستبد وهي محصلة معادلة القوي والضعيف، فهي تمسك بقلبه وهو خانع لما تفعله حباً وهياماً بأي فعل تفعله.