هل تعرفون من هم الوطنجية؟ وهل هناك وطنجي يطبل على رأسك؟ إن كنت لا تعرفهم فهم مخلوقات بيننا تدعي الثقافة والفكر وتتسلق على شعار الوطنية وهم أبعد ما يكونون عن الوطنية الحقة.. فالوطنية هي ارتباط عاطفي للفرد بأرض ميلاده ونشأته وما تحتضنه من هوية ومجتمع وتاريخ، وبالتالي ذاك الارتباط الفطري يدفعه إلى الرغبة في إصلاح وبناء وإعمار وحماية تلك الأرض «الوطن». أما الوطنجية أو الطرطنقية فقد أخذوا من الوطنية اسمها فقط، ومن ثم حصروها في فكر وولاء معين ووصاية مرسومة تخوّن كل من يحيد عنها وتطعن في ولائه لوطنه، فتراهم يقدمون العنصرية على الانتماء، وكراهية المختلف على حب الوطن، والصراعات على الإصلاحات، وصناعة الأعداء على الإعمار والبناء، بحجة حب الوطن! فكر الوطنجي قرائي، هو ببساطة شوفيني ولمن لا يعرف «الشوفينية chauvinism» فهي المبالغة والتعصب في التحزب لشيء ما، لدرجة التطرف. الانتماء للأوطان عندهم انتماء قاصر على من يشبههم في المذهب واللهجة واللون، وهو امتداد لخوف كبير يسكنهم ممن لا يشبهونهم وعدم إحساس بالأمان، فيتم احتكار مفهوم الانتماء بمذهب ومناطقية ولهجة ولون بآلية تشكل حدود الولاء والخيانة دون مرجعية موزونة. والخيانات عندهم بالمطلق وعلى قرش... فهم دائماً على حق وحقهم مطلق لأنهم وطنيون وأنت لا، وبذلك لا مجال لقبول الاختلاف ولا النقد ولا المراجعة، فيبرمج العقل الباطن ليطعن في كل من يخالفه أو حتى لا يشبهه، فالحكم الصادر على فئة يلبسه العمومية ويحولها لحقيقة مطلقة. كاتهام جنسية محددة بالسوء أو مذهب بالكفر أو طريقة بالإلحاد أو مفكر بالخيانة ويبدأ تشكيل الصورة النمطية بالتكرار وتضخيم الشواذ والتزييف والتحريف والتكرار لتثبيت الصورة المراد ترويجها. فإن لم تكن مع الوطنجي فأنت خائن لوطنك، وإن لم تكن مع الداعشي فأنت خائن للإسلام، وإن لم تكوني مع النسوية فأنتِ خائنة لحقوق المرأة ولستِ بأنثى، وتبدأ حملات الطعن في السمعة والعمل والشخصية.. لماذا لأنهم لا يستطيعون مواجهة أصحاب الفكر المستقل. الوطنجية تطرف والتطرف سلاح الجبناء والأغبياء لأنه لا يتطلب تفكيراً، بل يتطلب صوتاً عالياً ومنبراً وقطيعاً وحشراً لاسم الوطن في الهتافات والمناسبات، وهم بالواقع أبعد ما يكونون عن روحه وواقعه. من يدفع ثمن هذه الهرطقة هو الوطن.. ذاك الذي يتكلمون باسمه ويتنمرون على الغير باسمه، ومع احتكارهم المنابر وسيطرتهم على مواقع التواصل، أصبح لكل منهم فرصة لتوجيه الرأي العام مستعملاً أساليب مختلفة لفرض قبوله من خفة دم وتهريج تارة وأغانٍ ونكت تارة أخرى.. تحت أسماء وهمية وأخرى حقيقية... الوعي هو حجر العثرة أمام ذاك العدو الذي يسعى لاستعمال أبنائنا ضد ديننا ووطننا. الوعي ثم الوعي ثم الوعي هو الحائط المتين لصد مدفعية الهدم بعون الله. رجاءً نظفوا محيطكم وحياتكم من الطرطنقية.