لكلِّ ديرةٍ أعلامُها الذين نقشوا مآثرهم على صخورها وتركوها لتقرأها الأجيال.. وديرتي «الحَجْرَة»؛ أحد مناجم الرجال الذين يقف التاريخ عندهم طائعاً ليفرد لهم صفحاته الخالدة. في نهاية الألفية الماضية عاشت المملكة في جميع مناحيها إرهاصات مرحلة انتقالية، وفي كل جزءٍ منها انبرى روّاد رفعوا راية التحدي في عملية التطوير.. و«الحَجْرَة» لم تكن بمعزلٍ عن بوادر تلك المرحلة بفضل قلة من شبابها الذين استشرفوا المستقبل وحملوا لواء التعليم في ديرةٍ تهيمن عليها الأميّة. الأستاذ «عمر بن سالم المقبلي الزهراني»؛ كان من هؤلاء القلة الذين تلمّسوا مسالك التعليم في إحدى المناطق شبه الحاضرة، وعاد حاملاً رسالةَ بشرى بواقعٍ أجمل للحَجْرَة وسكانها. العلم والرؤية والحكمة والجرأة والطلاقة واللطافة في الحديث والحزم وخفة الظل والهيبة جمعها عُمر، وكوّن منها شخصيةً و«كاريزما» تخصه وحده، حتى غدا ملء السمع والنظر وهو فتًى لم يتجاوز العقدين من عمره، فإنْ حضرتَ مناسبةً ورأيتَ مجموعةً ترتفع ضحكاتهم على طُرفةٍ فعمر بينهم، وإن رأيتَ مجموعةً تنعقد من أجل حلّ مشكلةٍ فهناك عمر، وإن رأيتَ مجموعةً تتداول رأياً فلن تكون دون عمر. مساهمات ال«عمر» في تطور الحَجْرَة أكثر من أن يحصيها مقال، فمن التعليم مروراً بالمجلس البلدي وإلى الجمعية التعاونية؛ كلها محطات كانت البصمة «العُمَريّة» فيها واضحة.. وشخصيته المدعومة بالمنجزات لم تفرضه في الحَجْرَة فحسب، بل سجّلت اسمه علماً في زهران قاطبة. اليوم يقف «الأستاذ» بين سندان السنوات ومطرقة المرض، ورغم أن حوله أبناءه الأبطال الذين نشأوا على النظام والسلم العُمَرِيين، وحجزوا أماكن المسؤولية في بناء الوطن وحمايته، ويكفونه في أداء الواجبات المجتمعية إلا أنه يأبى أن يتأخر، فقد صنع من شموخه عصاً يتوكأ عليها ليظل كما هو في مقدمة الحاضرين مهنئاً في فرحٍ، ومعزياً في ترحٍ، ومشاركاً في مواقف قبيلة لا يغيب عنها مثله، ولسان حاله يقول: نشأتُ في المقدمةِ، وقضيتُ عمري معها، وسأموتُ فيها. هذا هو أبو عبدالله عمر - يحفظه الله - كان الأبناء شهوداً على كتابة سيرته الحافلة بالإنجازات والقيم السامية، وسيروونها للأحفاد؛ لكي تبقى إلهاماً يستمدون منه كيف يُخَلِّدُ الرجال أسماءهم قبل أن يمضوا.