يعتبر النقد بمثابة الأداة السلوكية التي تقوم بتوجيه المجتمع، والنقد مهم سواء على الصعيد الشخصي أو المجتمعي، وتتنامى أهمية النقد الذاتي، على الصعيد الشخصي وفاعليته بمدى توظيف الشخص لنتائجه في الحياة العملية، من حيث استدراك الأخطاء وتصحيحها، والمباشرة في المضي بخطوات واثقة نحو مسار ناضج، وقويم، والغاية من النقد تقويم السلوك، والفكر، والارتقاء بمستوى الخدمة وتطويرها، وتصحيح المسار ورفع الفعالية بكل أبعادها. نحن في حاجة ماسة إلى النقد على الصعيد المجتمعي، وذلك بجعل النقد جزءاً من مناهجنا التعليمية في كل المستويات. كما أننا في حاجة إلى إتاحة مساحة في إعلامنا الرسمي للنقد البنّاء وسماع الآراء واختلاف وجهات النظر في كل القطاعات. وأتمنى أن توضع الخطط والبرامج سواء المعتمدة أو التي تحت التنفيذ لدى الجامعات والمراكز العلمية والاستشارية للنقد والتمحيص. فالمشاركة المجتمعية سوف تساهم في رفع الكفاءة والتطوير والفعالية والإنتاجية. لأن النقد يعد حجر الزاوية في بنيان نهضة المجتمعات وتقدم الأمم، وعلى هذا يتفق جمهور علماء النفس، والاجتماع، والسياسة. ويؤكد، غولان شاهار أستاذ الصحة النفسية وعلم النفس التنموي، ومؤلف كتاب: «تآكل... علم نفس النقد الذاتي»، «أن ما يميز المجتمعات الحية القادرة على تجديد نفسها والتقدم للأمام؛ هو اتساع صدور أنظمتها للنقد الذاتي، باعتباره الوسيلة الأنجع لاكتشاف جوانب القصور، والحافز الأمثل لبلوغ مستقبل مزدهر». والواقع والتأريخ يؤكدان ذلك فقد تقدمت الدول الغربية على الأمة السوفيتية نتيجة ممارسة النقد الذاتي البناء، حيث كشفت ثورة الاتصالات العالمية عجز الاتحاد السوفيتي عن إخفاء حقيقة تدني مستويات الرفاهية ونوعية الحياة لسكانه مقارنة بالدول الصناعية الرأسمالية؛ لأن الأيديولوجية، التي قام عليها النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، قد تحولت إلى مؤسسات تنسب لنفسها صفة تجسيد الأيديولوجية، بينما أصبحت هذه المؤسسات، في نظر الجماهير، مجرد بناء مؤسسي ينطوي على قدر كبير من الكبت، ولم تعد لها جاذبية. ومن هنا يظهر أن الأيديولوجية لم تحمِ الاتحاد السوفيتي من التفكك؛ لأن الحقيقة لا يمكن للشعارات والأيديولوجيات أن تخفيها. وتعرف الأيديولوجية بأنها «النسق الكلي للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة. وهي تساعد على تفسير الأسس الأخلاقية للفعل الواقعي، وتعمل على توجيهه. وللنسق المقدرة على تبرير السلوك الشخصي، وإضفاء المشروعية على النظام القائم والدفاع عنه». وعليه فإن النقد ضروري بغض النظر عن المعتقد أو الأفكار. لا شك أن أصحاب الاجندات المشبوهة يوظفون النقد لغرض أثارة الصراعات في المجتمع ولأهداف بعيدة كل البعد عن تصحيح الأخطاء، والمضي بخطوات واثقة نحو مسار ناضج، وقويم، بهدف تقويم السلوك، والفكر، والارتقاء بمستوى الخدمة وتطويرها. غير أن هؤلاء المغرضين لا يجب أن يكونوا حائلاً ومانعاً أو معوقاً عن ممارسة النقد والاستفادة من هذه الأداة. أن التفريط في ذلك له نتائج كارثية، يقول جورج أورويل: «كلما ازداد المجتمع ابتعاداً عن الحقيقة، ازداد كراهية لمن يتحدثون عنها». النقد والتقييم والمراجعة على كل الأصعدة الشخصية والمجتمعية أداة سلوكية وظاهرة صحية في المؤسسات والمجتمعات المتحضرة؛ لأنها جزء أساسي من عملية التطوير والتقويم المستمر. وهي وسيلة لإثارة العقل والفكر، وتحريك الأفكار، وتقليب وجهات النظر، لتصبح أكثر نضجاً وقوة، والفكرة الناضجة هي التي تكون الأصلح والأصوب وأكثر واقعية.