يلفتني في أحدهم إخلاصه التام للتزلف و«النفاق»، فرؤساؤه يتغيرون بينما هو ثابت على مبدئه، إلا في استبدال أسمائهم في كتاباته ! أتعجب أحياناً من جلده وصبره على ذل التزلف الرخيص وهوان المديح السامج، وأتعجب أكثر لأن أحداً لا ينصحه بخطأ ما يفعله أو على الأقل أن يكون أكثر ذكاء في تمرير محاولات تقربه وانتفاعه ! المشكلة أن تبديل الأسماء مع ثبات التزلف يكون في الغالب مكشوفاً للرؤساء الجدد ولا تكون له أي مصداقية أو منفعة، فالمسؤول الذكي يدرك أن من خص سلفه بالمديح المفرط سيسارع ليخص خلفه ما إن يغادر منصبه، وفي مجالس بعض المسؤولين يكون التندر بالمداحين المتزلفين مثالاً للكوميديا السوداء ومبعثاً للسخرية ! كان أحد الزملاء العرب زميلاً في صحيفة خليجية، ونشر قصيدة مديح في رئيس التحرير، وعندما تغير رئيس التحرير فوجئت بعد سنوات بنفس القصيدة تنشر في رئيس تحرير آخر، مضت سنوات وسنوات وهذا الزميل ما زال يراوح مكانه لم ينقله النفاق والتزلف إلى أي موقع أعلى ! طبعاً هذا ليس ثابتاً، ففي حالات كثيرة نجد مسؤولين في القطاعين العام والخاص يطربهم المديح ويداعب أحاسيسهم التزلف، لذلك يجد المداحون والمتزلفون حظوة لديهم وطريقاً للارتقاء والانتفاع على حساب المهنية والعدالة، وقد تأملت مرة في أحد المجالس وجه شخصية معروفة وهو يستمع لقصيدة مديح ألقاها شخص غريب يطلب حاجة، فرأيت ملامح زهو وانشراح، وعندما انتهى الشاعر همست في أذنه «تلاقيه مسمعها لعشرين غيرك»، لم يعجبه تعليقي وأعرض عنه وكأنه المسكين مصدق تماماً أن هذه القصيدة كتبت فيه، لم يسمعها أحد قبله ولن يسمعها أحد بعده ! لا يشغلني الأمر كثيراً عندما يتعلق بأشخاص يخدعهم المداحون في حياتهم وأعمالهم الخاصة، لكنه يزعجني عندما يؤثر بمسؤولين يؤدون مسؤوليات عامة تتطلب إخلاصاً وعدلاً ! باختصار.. إذا رأيتم المداحين اليوم لا تحثوا في وجوههم التراب بل احشوا أفواههم به !