** لابد لي في البدء أن أشير إلى أننا كأمة نملك إرثاً ضخماً من فن المديح و,,إشعال البخور ، واستنزاف المفردات الشريفة لتلقى على أناس بعضهم ليس له بالشرف شأن ولا علاقة. هذا قدرنا, وهذا بعض إرثنا المخجل. ألم تسمعوا بأحد أجدادنا القدامى,, الذي لا أدري ما الله قاضٍ به,, لقاء كذبه، وجرأته على النفاق,, وهو يقول لممدوحه: وأخَفتَ أهلَ الشركِ حتى أنَّه لتخافُك النطفُ التي لم تخلقِ قاتله الله,, ما أظلمه! حتى النطف الرابضة المستكينة بين الصلب والترائب,, لم يدعها تعيش بطمأنينة فأشعل فيها الخوف والهلع و,, التشرد! ** نحن والله لسنا ضد المدح الصادق, المدح المنزه من المقاصد والأهواء,, المدح الذي يأتي عفو الخاطر، أو في لحظة إعجاب بشخص ما، أو افتتان بموقف تعرض له, مدح مبرأ من الأغراض لايُرتجى من ورائه غير تحفيز الهمّة، وإبراء الذمّة، وإراحة الضمير, لسنا ضده. بل أظنه مدحاً مطلوبا, بسبب أقله أننا من خلاله نحفظ للمحسن حقه في الإشادة فيدفعه لمضاعفة الجهد, ونشعره على الأقل بتقدير الناس لتفانيه وإخلاصه! أما أن يتحول بعض كتّابنا من هؤلاء الذين ابتلينا بهم، وبطروحاتهم,, إلى جوقه ,, دعنا نسميهم هكذا من المدَّاحين والمطبلين وناثري البخور ,, وكأن هذه البلاد العظيمة التي خرج من فيافيها وسهولها وجبالها,, أنقى الناس سريرة، وأكثرهم صدقاً، وأعظمهم أصالة,, لم تُخرِج إلا هذه النوعية (الطيبة) التي تُطِلُ علينا مع مطلع كل يوم طازج دون حياء أو خجل,, لتدنس صفاءنا، وطهارتنا، وصدقنا المشهود,, فهذا ما نرفضه! ** نحن لا نطالب حاشا لله بعدم التأدب في مخاطبة مسؤولينا, ولا نطالب أن نغمطهم حقهم من الشكر والإشادة والعرفان,, ليس هذا مانقصده, ولكننا نطالب بمراعاة قدر من المصداقية في توزيع صكوك الشكر والمديح! ,, أما أن نهتبل أي مناسبة,, فنشمر عن سواعدنا، ونغوص في قاموس المديح لننتزع منه مانراه يصلح لتلك المناسبة,, فهذا سلوك غير سوي بالمرّة. لقد بتنا، ونحن نمرر نظراتنا المتعبة في دهاليز وزوايا المطبوعات المختلفة نعرف سحنات هؤلاء المطبلين، ونعرف مراميهم, وأتعجب أن أيّاً منهم وبعضهم قد بلغ من العمر أرذله,, لا يعرف ذلك اليوم المشهود,, الذي ستخرج فيه ألسنتهم كالأفاعي الظمأى ,, لتشهد على كذبهم ونفاقهم!! ** اصحوا ياسادة,. فقارىء اليوم بات من الحذاقة والذكاء والألمعية,, ما يجعله يُفرِّقُ بين الكتابة التي تخرج من شرايين القلب والأوردة,, وبين الكتابة التي تخرج من معطف النفاق والتزلف و,,, الوصولية, ولله الأمر من قبل ومن بعد!!