لم تأت هيئة الفساد بشيء جديد غير مسبوق عندما أعلنت أن مدح المسؤول بغير ما فيه أو المبالغة في الثناء على إنجازاته يعد نوعا من أنواع الفساد لأن هناك الحديث النبوي الشريف «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب» غير أن الهيئة سباقة إلى أنها أول من أعلن ذلك صراحة تحت طائلة المحاسبة وهو ما يحسب لها دون شك لأنها كسرت حاجزا تعود عليه الناس حتى أنك عندما تعاتب مسؤولا تفترض فيه الوعي على تقبله المديح يرد عليك باسما بقول الشاعر: يهوى الثناء مبرز ومقصر حب الثناء طبيعة الإنسان وجعلت الهيئة من مبررات ذلك أنه يترتب عليه غرور المسؤول وصرفه عن رؤية الأمور على حقيقتها مما ينتج عنه فساد كبير في أداء المهام، غير أن المسألة في نظري تتعدى ذلك فالمسألة لا تتوقف على الممدوح وإنما تمتد إلى سوء التصرف في المال العام من المداحين لأن مدح المسؤول وتفخيمه وإرضاء نزعة الأنا المتضخمة عنده يجعله يتغاضى ويوافق على كل ما أنفق في سبيل هذا التزلف حتى يصل في بعض الأحيان إلى أن الشخص أو المرؤوس الذي لايتزلف وينافق يصبح مقصرا مع أنه لم ينقص من قدر المسؤول ولم يبخسه حقه، وربما يستغل ذلك بعض المتزلفين الوصوليين بأن صمت المرؤوس يعكس حقدا أو غيرة أو عدم رضا عن المسؤول وأدائه، ومصيبة حين يتحول الجو العام فيصبح التزلف والنفاق قاعدة والصدق في التعامل مثيرا للشك في النوايا، ومن صور فساد المديح إهدار المال العام المخصص لبنود مختلفة في حفلات التكريم والاحتفاء والاستقبال وتصميم الدروع النحاسية الفخمة التي لايتعدى عمرها أكثر من لمعة فلاش المصورين ثم تذهب إلى الرفوف والمخازن، وكذلك صفحات الإعلان مدفوعة القيمة بالشكر والتقدير والتهنئة والتعازي، وكان الأولى بمن يقوم بذلك إن كان صادقا في مشاعره أن يدفع ذلك من جيبه الخاص لا من ميزانية الدولة أو يذبح أربعا من الغنم في منزله العامر ولا هان حاتم الطائي.