كل إنسان في حياته يعيش بوعي أو بغير وعي، مع فلسفة ما يُعرف بالبناء والهدم، وعلى رغم تناقض المفهومين وبعدهما عن بعضهما البعض، إلا أننا عندما نمعن النظر فيهما وبشكل عميق، نجدهما قريبين من بعضهما البعض لدرجة قد يصعب على الشخص أن يفرق بينهما، وقد يكونان وجهين لعملة واحدة هي سلوك وتصرفات البشر. وقد تقابل مفردتي الهدم والبناء مفردتان دارجتان والجميع يستخدمهما بكثرة؛ وهما الربح والخسارة، وما يعرف بالإيجابية والسلبية، ولذلك تتعدد المفردات والفلسفة واحدة. فلسفة الهدم والبناء هذه لها عدة مستويات، تبدأ بالفرد وما يقرره في حياته؛ علمياً وعملياً وصحياً ونفسياً، وهكذا في كل أموره، فقد يتخذ قراراً يكبده خسائر مستمرة وقد تبلغ هذه الخسائر من حوله، وربما أقرب الناس له. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قرار التدخين قد يؤدي بصاحبه إلى المرض المميت، إضافة إلى خسائره المالية والصحية التراكمية من دون أن يشعر بهذا الهدم الصحي والمالي الذي يسببه لنفسه، ولأسرته وزملائه ومن يعيش معه، من دون أن يقصد إيذاءهم. وإذا كان هناك مستوى أولي للهدم والبناء، هناك مستوى ثانٍ لهذه الفلسفة الحياتية، ترتبط بالمجموعات مثل العائلات أو القبائل أو القرى أو المجموعات المتخصصة، وما يقع في مفهومها، بأن يمارسوا عنصر الهدم أو عنصر البناء في الأمور المشتركة لهم، وقد يكون بينهم الفرد الذي يضعهم على طريق الخسائر بقصد أو بغير قصد، أو العكس يضعهم على طريق الربح، ولكن الجميع بشكل أو آخر شركاء في نتائج هذه الفلسفة التي مارسوها بوعي أو بغير وعي. وأخطر وأصعب مستويات هذه الفلسفة أن تحدث بشكل مؤسسي، وأن يتسبب بعض المسؤولين؛ سواء أكانوا متعمدين أو مجتهدين، ومتصورين بأنهم يبنون، وهم بشكل أو بآخر يهدمون، وقد يكون من الصعوبة اكتشاف في أي اتجاه يسيرون، ربحاً أو خسارةً، وقد يمر الزمن لنكتشف في أي الطرق أخذوا الناس والعمل والمؤسسات، وقد تكون الدول برمتها ومجتمعاتها وفرصها وسبل نجاحها. قد يكون لذلك صمام أمان يقلل الهدم ويعزز فرص البناء لكل إنسان يريد أداء رسالته وإبراء ذمته مع كل محيطه ومجتمعه وعملها ووطنه، وبالتالي مع خالقه سبحانه، وهي الأمانة الصادقة للإنسان نفسه وعليه في الوقت ذاته، تجاه نفسه وأسرته ومجموعته أو محيطه وعمله ووطنه، فيكون دقيقاً في كل تصرف أو إجراء أو موقف يتبناه. ولا يظلم أمانته ويثقل حسابه في يوم لن تنقذه الانتصارات الشخصية ولا التحزُّبات الإدارية أو التفاني لمنظومة عمله على حساب هذه الأمانة، وأن يعمل بكل طاقته للبناء بقدر استطاعته لا الهدم. وبما أننا نعيش في الألفية الثالثة، ووطننا يحقق كل النجاحات غير المسبوقة ويسجل حضوره العالمي بقيادة متقدمة حماساً وطموحاً وثقةً في قدرات الوطن وأبنائه من الرجال والنساء، وتمتلك رؤية خلاقة ساهمت خلال سنواتها الأولى بحصد نتائج مبشرة، لذلك لا بد أن نرفع شعار البناء متسلحين بالأمانة وأن نراجع أنفسنا وعملنا وكل تفاصيلنا وأن لا نكون في طريق الهدم لا قدر الله.