وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مترو الرياض    إن لم تكن معي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آل مضواح: تقرير «حقوق الإنسان» عن السجون مفلس و «متخبط» و «مخادع»
نشر في الحياة يوم 26 - 05 - 2009

لم يرَ السجين معول هدم ولم يقتنع بأن العقوبة وحدها سبيلاً رادعاً للعودة إلى الجريمة، بل إنها ستصنع مجرماً مضاعفاً أشد فتكاً! قضى جل حياته بين وزارة الداخلية والبحث في العلوم الأمنية، واعتبر الخروج من السجن من دون رعاية لاحقة وتأهيلية عاملاً خصباً لاتساع جيوب الإرهاب وتحوله فرداً عدائياً وصولاً إلى نكسة محققة.
مدير الإصلاح والتأهيل في سجون منطقة عسير الدكتور مضواح آل مضواح الذي وصف التأهيل الاجتماعي والنفسي الطريق الأول لانخفاض العودة إلى الجريمة وتفاءل بأن التغير الاجتماعي القادم تيار قوي كفيل بأن يجرف كل من يسير عكس اتجاهه وإن اعترضت طريقه هذه العوائق الطبيعية والمصطنعة.
لم يحتر في أن تأكيد بيئة «الاعتقال» قد تتخذ مسارات ساخنة أو باردة واعتبارها مرحلة مفصلية قد تدمر حياة الشخص بعد خروجه من السجن لرفض المجتمع له أو بداية صفحة لحياة جديدة.
أبناء الأطراف عندما يرحلون إلى المركز والمحور.... ألا يعطلون التنمية في أطرافهم؟
- هناك ما يمكنني تسميته بهجرة التمدن، أو الخدمات العامة، وهي حال يتجه فيها سكان بعض الأماكن التي تفتقر إلى الخدمات العامة بصورة جزئية أو كلية، إلى أماكن تتوافر فيها هذه الخدمات وفرص العمل، وهم عندما يهاجرون هذه الهجرة الداخلية فإنهم يعملون في الأماكن التي اتجهوا إليها. ومن المؤكد أن غيرهم سيكلف بالعمل في ديارهم التي رحلوا عنها، وبالتالي فإن تعطيل التنمية في تلك الأماكن ليس كبيراً. بلا شك في أنهم سيعانون من مشقة الانتقال، وسيعاني من يعمل في ديارهم من هذه المشقة أيضاً، وهذه هي السلبية المترتبة على هذه الهجرة الداخلية. لكنه يوجد نتيجة ايجابية لمثل هذه الهجرات المتبادلة. إذ من المعلوم أن المملكة العربية السعودية ذات مساحة كبيرة، وكانت الفرقة المبنية على العصبية والقبلية تعصف بهذا البلد وأبنائه قبل الإنجاز الحضاري الهائل على يد الموحد الكبير الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، وقد نتج من هذه الفرقة والعصبية والقبلية جيوب ثقافية كثيرة تبعاً للتوزيع القبلي للسكان، ومن هنا بات ضرورياً أن يصاحب التوحيد الجغرافي توحيد ثقافي يصهر هذه الجيوب الثقافية القبلية في ثقافة واحدة ويفكك بنية القبلية وعصبيتها، تمهيداً لتحويل المجتمع السعودي مجتمعاً مدنياً يقوم على مؤسسات تتولى خدمة المواطن بدلاً من القبيلة.
مالذي تحققه الهجرات الداخلية المتبادلة بين سكان مناطق المملكة؟!
- تؤدي وظيفة التفكيك، وتحقق الحراك والتلاقح الثقافي الذي سيبني ثقافة المجتمع المتمدن الجديد، في حين لو بقي سكان كل منطقة يعملون في منطقتهم فقط فإن ذلك سيعمل على تقوية الجيوب القافية التي أوجدتها العصبية القبلية قبل التوحيد.
وهذا من شأنه أن يعمق التناشز الثقافي، ويوجد ثقافات مختلفة ومتناقضة ومتخاصمة في بلد واحد من الناحية الجغرافية والسياسة، ويكرس أيضاً عوامل الجمود والتخلف الثقافي، وأن يبقي على التربة الاجتماعية الصالحة لبقاء هذه العوامل ونموها وتوليد عوامل جمود وتخلف جديدة.
وفي كل الأحول فإن أصحاب هذه الهجرات الداخلية المتبادلة يؤدون دوراً كبيراً في خدمة وطنهم وهم في الغالب سيعودون إلى مدنهم وقراهم الأصلية بعد أن يكونوا قد أدوا ما عليهم من واجبات تنموية وثقافية وحضارية تجاه وطنهم إبان وجودهم في الأماكن التي هاجروا إليها، وهم أيضاً بعد عودتهم سينقلون إلى المجتمع في قراهم ومدنهم الأصلية تجاربهم في شتى المجالات.
وهذه هي الوسيلة الناجعة لصهر الثقافات القبلية في ثقافة مدنية واحدة واجتثاث التخلف والعصبية القبلية الممقوتة.
بين التربية والعلوم الاجتماعية كان ركضك.... كيف وجدت الحركة في هذا المضمار؟
- يمكن اعتبار التربية إحدى أهم العلوم الاجتماعية، ومن هذا المنظور فقد كنت أركض في ميدان واحد. درست في البكالوريوس علم النفس، وعلم النفس الاجتماعي، والتربية، والمناهج وطرق التدريس. ودرست في مرحلة الماجستير علم الاجتماع، وعلم النفس الجنائي، وعلم الجريمة والعقوبة، وإدارة برامج المؤسسات الإصلاحية، وعلم التنظيم أو التشريع. ودرست في مرحلة الدكتوراه علم الجريمة والعقوبة في الشريعة الإسلامية وفي الاتجاه العلمي الوضعي، وعلم الإصلاح، وعلم بناء النظرية، وعلم الاجتماع التطبيقي، وعلم التفكير المنهجي والمنطقي... إلى غير ذلك من العلوم.
وكل علم من هذه العلوم له اتصال مباشر بمختلف العلوم الإنسانية الفلسفية والتجريبية التي لم يرد ذكرها، كما أن بين هذه العلوم روابط قوية وقنوات اتصال وتداخل يصعب الفصل التام بينها. لذلك فقد كانت دراستي (أو ركضي كما سمّيتِه) وكذلك حركتي في ميدان واحد وإن تعرجت أو اختلفت الممرات التي أوصلتني في النهاية إلى المرحلة الفكرية والعلمية الراهنة.
اتجاهك إلى جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية... ما الدافع وراءه؟
- هذه الجامعة هي الجامعة الوحيدة على مستوى العالم التي توجه مختلف العلوم الإنسانية الفلسفي منها والتجريبي لخدمة الأمن في إطار نظرية الدفاع الاجتماعي، وهو ما استهواني كثيراً. وربما لأنه يتفق مع قناعتي بأن كل العلوم بلا استثناء ينبغي أن توجه لهذا الغرض. والأمن الذي أقصده ليس الأمن الجنائي فقط، بل الأمن السياسي، والفكري، والغذائي، والصحي، والديني، والتربوي، والتعليمي، والمعلوماتي، إلى غير ذلك من مجالات الأمن التي لا تستقيم حياة الإنسان والمجتمع في المرحلة المعاصرة من دون توافرها وتنميتها والمحافظة عليها.
فلسفة العلوم الأمنية... إلى أين تقودنا؟
- هذا النوع من الفلسفة سيأخذ بأيدينا وعقولنا إلى نبذ بقايا التفسير الخرافي للسلوك الإجرامي والذي كان سائداً في العصور القديمة والعصور المظلمة في أوروبا وغيرها من بقاع الأرض، والتخلي كلياً عن بقايا أهداف الانتقام والثأر من الجناة والتنكيل بهم من خلال العقوبات البدنية، والتحول من الفكر العقابي البحت إلى الفكر الإصلاحي، وتكريس الاتجاه الإنساني في العقاب في عقول جميع العاملين في أجهزة العدالة الجنائية، وفي ثقافة المجتمع، وتكريس مبدأ احترام إنسانية المتهم والسجين لمجرد آدميته بغض النظر عن سلوكه الانحرافي أو الإجرامي.
وليس لديّ شك في أن كل ما جاءت به النظريات الغربية في هذا المجال هو من أبجديات الشريعة الإسلامية، لكن تأصيل هذه النظريات في مؤسسات غربية ومن علماء غربيين أوحى للمجتمعات الإنسانية أنها من ابتكارات الفكر الغربي، وفي اعتقادي، بل هو أمل أرجو أن يتحقق!
أن فلسفة العلوم الأمنية من منطلق إسلامي وسطي سيزيل هذا الالتباس ولو بعد حين، فإذا ما تحققت فكرة التخلي عن السلبيات السابق ذكرها، وتحققت فكرة إعمال الاتجاه الإنساني في العقاب وما يرتبط به من مبادئ حقوق الإنسان، وقواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء فإن فلسفة العلوم الأمنية تكون قد قادتنا إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.
ابن رشد وبن لادن
يقول أحدهم: لو كان ابن رشد بيننا لما كان هناك أسامة بن لادن عندنا... ما رأيك؟
- من قال هذا القول يريد إعادة تنظيم الفكر الإسلامي، ولاسيما في الجانب المتعلق بفهم النصوص الشرعية وتفسيرها، فابن رشد (رحمه الله) يرى أن هناك اتصالاً قوياً بين الفلسفة والشريعة، لا بل أعتقد أنه يرى أن الشريعة هي منبع الفلسفة.
فالفلسفة هي تساؤل عن معنى الحياة، وكيف ينبغي للإنسان أن يحيا، ومهمة الفيلسوف هي تحليل المفاهيم والقضايا التي يعبّر بها الناس عن واقع حياتهم ومشكلاتهم وآلامهم، وتعتبر المفاهيم الفلسفية هي الأساس الذي يقوم عليه التفكير الفلسفي، أو الحكمة كما سمّاها ابن رشد، ومن أهم هذه المفاهيم: «العدالة» و«العولمة» و«العقد الاجتماعي» و«الجدل المنطقي» ومن المعلوم أن الشريعة لم تركز على شيء أكثر من تركيزها على العدالة بمعناها الشكلي والجوهري.
كما أن أفضل تطبيق للعقد الاجتماعي قد تجلى في ممارسات السلطة الإسلامية، أما العولمة - كما أفهمها - فهي حلم الفلاسفة والحكماء، وهي محور جهود الأنبياء والرسل عليهم السلام، ويأتي الجدل المنطقي ومواجهة الحجة بالحجة على رأس الأساليب التي استخدمتها الشريعة الإسلامية لتوضيح الحق وإقناع الطرف الآخر بصحة المعتقد أو خطئه.
ومن هنا يتضح أن العنف ليس سوى وسيلة استخدمتها المجتمعات البدائية للحوار قبل ظهور الاتجاه الفلسفي، وأن العنف اليوم ليس سوى وسيلة يستخدمها من ارتد في فكره إلى المرحلة البدائية تلك لقسر الآخرين على اعتناق قناعاته وأفكاره.
ولو أن ابن رشد على قيد الحياة لكان نشر بين البشر المبادئ العامة التي تحكم التفكير الإنساني السليم أو الصحيح، ولكان وظّفها في التنشئة والتربية، والتنمية، والعدالة، وتمحيص المكونات الثقافية، والدعوة إلى الله.
وسيترتب على ذلك وجود أجيال تحكم العقل والمنطق، ولا تنطلي عليها الخدع اللفظية والخرافة، وتعلي من قيمة الحوار والجدل الهادف، وتحترم الإنسان لمجرد إنسانيته، وتتخذ من العدل والمساواة والعمل الصالح والتنمية الشاملة أسلوب حياة، وتدفع بأصحاب العقول المستنيرة إلى مراكز القدوة والقيادة. وهذا ما سيجرد ابن لادن من كل أتباعه، وبالتالي فلن يجد سوى العودة للسير باتجاه هذا التيار الفلسفي والاجتماعي والإنساني، الواعي والمتحضر، أو يعيش بمعزل داخل مغارات نفسه ومن ثم يتلاشى.
يتهم البعض رجل الأمن عندنا بقصور ثقافته... ما رأيك؟
- بودي لو كنت أستطيع الإنكار مطلقاً، لكن الواقع يقدم شواهد على أن الخرافة ما زالت تجد لها مساحة كبيرة من عقول بعض مجتمعنا.
وأحسب أن تصديق الخرافة مؤشر قوي على قصور الثقافة، أو أنه أحد عناصر القصور الثقافي، ولما كان من غير الصحيح القول إن أفراد مجتمعنا يعانون كلهم من القصور الثقافي.
فمن غير الصحيح أيضاً القول أن القصور الثقافي أحد سمات رجل الأمن في مجتمعنا، فرجل الأمن جاء من المجتمع، ومن المحتمل أنه ممن يعانون من القصور الثقافي، ومن المحتمل أنه ممن يتمتعون بالثقافة المتقدمة والفكر المستنير، ولا سبيل إلى فرز هذا من ذاك سوى بتفعيل الأسس العلمية عند الاختيار لهذا العمل الحساس، وهذا شحيح في وطننا العربي بعامة.
من يجرؤ على السكوت... هل يستحق عقوبة؟
- إن كنت تقصدين كتابي الذي صدر بعنوان: «من يجرؤ على السكوت؟» وهو من إصدارات نادي أبها الأدبي، فأقول لك: نعم، بسبب ما فيه من أخطاء مطبعية وعيوب في الإخراج والتنسيق.
وإن كنت تقصدين الشخص الساكت نفسه، فأقول لك نعم أيضاً، إذا سكت عن الحق لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، لكنه لا يستحق العقوبة عندما يفضل السكوت عن قول الباطل.
التغيير الاجتماعي
التغير الاجتماعي... هل يسبب مشكلات أمنية؟ ولماذا خُطا التغيير في مجتمعنا بطيئة؟
- لا بد من أن يكون للتغير الاجتماعي ثمن وكلفة على الأصعدة كافة، وليس على الصعيد الأمني فقط، ذلك لأن حركة الزمن أسرع من مسيرة المجتمع وتحولاته أثناء التغير الاجتماعي، ولاسيما عندما يكون التغير في الماديات أسرع من التغير في الجوانب الثقافية، والفكرية المجردة.
إن هذا الاختلاف بين سرعة الزمن أو سرعة التغير في الماديات وبين سرعة التغير الاجتماعي ناتجة من العوائق الطبيعية والمصطنعة مثل إعاقة التغير الاجتماعي من مشبوبي العاطفة بكل قديم Romantic وغير المتنورين أو الواعين بقيمة التغير، وكذلك إعاقة المتضررين بحدوث التغير الاجتماعي. وعندما يحدث صِدام بين هؤلاء المعوقين وبين المتحفزين للتغير الاجتماعي تتولد مشكلات وظواهر وصراعات وانحرافات تنعكس سلباً على جميع الأنساق الاجتماعية. وقد يصل هذا الأمر إلى حد الاضطرابات والفوضى الاجتماعية، لأن المعوقين للتغير يصمون وينعتون المتحفزين له بالمنحلين قيمياً أو أخلاقياً أو دينياً، أو دعاة التغريب، آملين الخلود في مواقعهم من خلال التشبث بعطن القديم ووحل التخلف، بينما يشتمهم المتحفزون للتغيير بالمتخلفين، والجشعين، والإقطاعيين، والأنانيين، والرجعيين، والميكيافليين.
وإذا كان من المستحيل تفادي ظهور سلبيات التغير هذه فإن من الممكن التقليل منها إلى حد كبير من خلال إحداث نوع من التناسب بين سرعة التغير الاجتماعي في الماديات وسرعة التغير الاجتماعي في الجوانب الثقافية والفكرية والعلمية بالاعتماد على التربية والتعليم والتثقيف والتوعية. وأرجو ألا يكون أحد قد فهم أنني أقصد إحداث هذا التوازن بين السرعتين من خلال التلكؤ في تلبية مطالب المجتمع وعرقلة أو إبطاء التغير الثقافي والفكري، فما أقصده هو العكس تماماً. وعلى أولئك الذين يعوّقون المجتمع عن التغير أن يعلموا بأن التغير الاجتماعي قدر محتوم وأنهم لا يملكون القدرة على وقفه لمجرد أنهم استطاعوا إعاقته والإبطاء من سرعته، ولو كانت لهم عقول تعي لأدركوا أن التغير الاجتماعي السلس في مصلحة الجميع، لأن التغير سنة من سنن الله في خلقه وسيتحولون إلى ضحايا لهذا التغير ما لم يسايروه.
فكل مرحلة من مراحل التغير تتطلب من المجتمع أن يتخلى عن مستلزمات المرحلة السابقة ويتبنى متطلبات المرحلة الجديدة شأنه في ذلك شأن الإنسان نفسه، فالطفل عندما ينمو ويصبح شاباً يتخلى عن متطلبات الطفولة وسلوكياتها ورغباتها ويتبنى تصرفات ورغبات ومعايير وقيم الشباب، لأنه ودّع مرحلة الطفولة، وإذا أتى بسلوكيات ورغبات ومعايير الطفولة عندما يكون في مرحلة السباب اتهم في عقله، وهذا ما يسمى بالتخلف العقلي حينما يكون السلوك متأخراً عن المرحلة العمرية.
ومثل ذلك يقال عن المجتمع (تخلف اجتماعي) عندما تتخلف أنساقه بنائياً ووظيفياً عن المرحلة العمرية التي أمضاها المجتمع من حياته، ويتخلف أيضاً عن المجتمعات القياسية أو النموذجية من حوله. وكل هذه السلبيات إذا ما وجدت في أي مجتمع فإنها تجعل خُطا ذلك المجتمع في التغير والتغيير بطيئة جداً ومعوقة.
كيف ترى وضع السجون في السعودية أخيراً؟
- عندما يكون التغير الاجتماعي بطيئاً فإن هذا البطء يصيب جميع مؤسساته من دون استثناء، ولكن بصورة نسبية، والسجون واحدة من مؤسسات المجتمع. وهناك مجموعة فاعلة من العاملين في وزارة الداخلية وفي السجون تسعى إلى إحداث نقلة نوعية في هذه المؤسسة المهمة جداً، على رغم كل العوائق. ويأتي على رأس هذه المجموعة النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، ونائب وزير الداخلية الأمير أحمد بن عبدالعزيز، ومساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف، فقد اتخذوا القرار الصائب بفصل السجون عن الأمن العام وتحويلها إلى مديرية عامة، وربطها بالأمير محمد بن نايف مباشرة. وهذه أول خطوة للتحول من الفكر العقابي البحت إلى الفكر الإصلاحي، وتأتي الخطوة الثانية وهي الإدارة العلمية للسجون وتتمثل في تعيين اللواء الدكتور علي بن حسين الحارثي مديراً عاماً للسجون. وبنظري التغير الاجتماعي تيار قوي سيجرف كل من يسير عكس اتجاهه وإن اعترضت طريقه هذه العوائق الطبيعية والمصطنعة. وما يوجد من إمكانات مادية كبيرة فستكون لنا تجربتنا الإصلاحية الخاصة بنا والتي ستنقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال، وستسعى تلك الدول للاستفادة من تجربتنا، ولا يعوقنا عن الوصول إلى هذه المنزلة سوى من ينقصهم الوعي الصحيح بالأسس التي تتحقق بها العدالة الجنائية، والأسس التي تتحقق بها الوقاية الفعالة من الجريمة.
وأعتقد أنه إذا ما وجد مثل هؤلاء الأشخاص في السلطة القضائية، وزارة المالية، ووزارة الخدمة المدنية، ووزارة الشؤون الاجتماعية في أي مجتمع فإن خسارته ستكون كبيرة جداً وربما لا تعوض.
ما رأيك في خصخصة السجون؟ وهل صحيح أنها فشلت؟
- مشكلتنا في وطننا العربي أننا ننظر إلى التجربة الغربية على أنها هي الأفضل، وأنه لا يمكن أن تأتي العقول في تلك المجتمعات إلا بما هو صحيح، وهذا خطأ فادح.
ومن قبيل ذلك خصخصة السجون التي فشلت فشلاً ذريعاً في معظم التجارب الأوروبية والأميركية، لكن هذا الفشل عندهم لا يعني أنها ستكون فاشلة عندنا إذا ما سارت خصخصة السجون عندنا في الاتجاه الصحيح الذي لم يفهموه هم ولم يسيروا فيه.
صدقيني أنه ينتابني الاستغراب عندما أقرأ عن تلك التجارب وأكتشف كم كان المخططون لها أغبياء... نحن في السعودية قادرون على ابتكار أساليب أكثر ذكاء في خصخصة السجون لو اتخذ القرار بذلك، وأراهن على النجاح.
تقرير حقوق الانسان
صدر أخيراً تقرير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان... ما تعليقك على التقرير؟
- النقد لمجرد النقد يحسنه كل أحد حتى الإنسان العادي وغير المتعلم، وما نشرته الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في صحف محلية ليس سوى «ذر» للرماد في العيون حتى تدمع فلا ترى الواقع الحقيقي.
النقد الهادف في مجال حقوق الإنسان له شروط، منها: توافر لغة الأرقام والمعالجة الإحصائية لها، وتحديد الأسباب بدقة، ووصف السلوك الذي أدى إلى الانتهاك بدقة أيضاً، وتحديد المسؤولين عنه من دون مواربة، وتحديد الضحية، ثم اقتراح الحلول الناجعة. وبغير ذلك فإن النقد لا يعدو أن يكون مجرد نقد بلا هدف أو فائدة، وهذا ينم عن إفلاس صاحب النقد وتخبطه.
إن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ، بمعنى أنه لا يمكن لأي سلطة أو جهة أن ترصد ما تريد من الانتهاكات وتغفل ما لا تريد رصده، ولا أن تنتقد منتهكاً ما وتسكت عن منتهك آخر، لأي سبب من الأسباب، فهذه الحقوق ليست اختيارية، وإذا ما سكت من أوكل إليه مراقبة ورصد انتهاكات حقوق الإنسان عن أي انتهاك لها وقد علمه فهو بدوره ينتهك حقوق الإنسان.
ومعلوم أن من يقوم بانتهاك حقوق الإنسان لا ينظر للضحية على أنه إنسان مثله، بل مخلوق أقل منه في المنزلة الآدمية.
علينا إذا ما أردنا التأسيس الصحيح لقانون يحفظ حقوق الإنسان، والتأسيس لرقابة اجتماعية ترعى وتصون هذه الحقوق أن نبتعد عن النقد الاستهلاكي، وخداع الناس والتقليل من مدى وعيهم، وتجاهل بعض الانتهاكات، وعلينا أن نلتزم بالشروط السابق ذكرها للنقد الهادف في مجال حقوق الإنسان.
هل تعتقد أن السجون تحد من انتشار الجريمة عندنا؟
- السجون عندنا وفي أي بلد آخر لا بد أن تقلل من انتشار الجريمة، ولكن إلى أي مدى؟ وهذا المدى لا بد من أن يكون أقل من 100 في المئة، لأنه لا يمكن القضاء على الجريمة بشكل مطلق في أي مجتمع بغض النظر عن الصفة التي تكون عليها السجون فيه.
والسجون تقلل من الجريمة حتى لو لم يتجاوز ذلك سوى فترة العقوبة التي يقضيها المجرم في السجن ويرتاح خلالها المجتمع من شره إلى أن يتم إصلاحه وإعادة تأهيله. ومن الخطأ أن يعتقد أحد أن قسوة العقوبة وسوء معاملة السجناء داخل السجون يمكن أن يقللا من انتشار الجرائم، سواء جرائم المبتدئين من خلال الردع، أم جرائم العود من خلال الزجر. والشيء المؤثر في هذا الأمر هو المعاملة الإنسانية للسجناء وعدم معاقبتهم بالعقوبات البدنية الواصمة بالانحراف، وإصلاحهم وتأهيلهم بطرق علمية تعدل إرادتهم الإجرامية.
وهذه أمور في متناول كل مجتمع إذا توافرت في أجهزة العدالة الجنائية العقليات المستنيرة الواعية، والضمائر النظيفة، والأنفس الشريفة.
مرحلة ما بعد السجن... هل تقود إلى السجن من جديد؟
- إذا أفرج عن السجين ليجد الظروف التي دفعت به إلى الجريمة أو الانحراف ابتداء لا تزال تنتظره فإن احتمال عودته إلى السجن كبير جداً.
وعندها فإذا كانت جريمته الثانية من نمط جريمته الأولى فستكون جريمته الثانية أكبر من جريمته الأولى وأشنع وأعنف منها، لأنه صاحب خبرة بمرارة العقوبة ولن تكون جريمته الثانية إلا بالمستوى الذي يعوضه عن ألم العقوبة السابقة والتالية.
لذلك لا بد من أن تمتد المعالجة إلى البيئة الاجتماعية التي قدم منها السجين. ولا بد من رعايته لاحقاً من الإدارة العامة الرعاية اللاحقة بوزارة الشؤون الاجتماعية. فالسجين عندما يفرج عنه ويرمى في المجتمع من دون رعاية لاحقة فإنما يقدم فريسةً سهلةً لعصابات الجريمة والتطرف والإرهاب،
وإني لأستغرب جداً كيف يطلب من سجين أفرج عنه أن يكون سلوكه مستقيماً وأن يكون رحيماً بالمجتمع في الوقت الذي يتصرف معه المجتمع بقسوة وانحراف عن المنهج الذي رسمته الشريعة الإسلامية؟!
ثم كيف لهذا المسكين أن يؤمّن قوت يومه ومستلزماته إذا كان لا يجد مأوى ولا أسرة تستقبله ولا مجتمعاً يتقبله؟!
إن المجتمع في هذه الحال يكون عوناً للشيطان على هذا المفرج عنه. وزيادة على كون الرعاية اللاحقة للمفرج عنه تحول من دون عودة للجريمة فإنها ستوفر كثيراً على خزانة الدولة ما ستصرفه على السجين العائد للجريمة عندما يصبح في السجن.
لأن الدولة تصرف ما يربو على 400 ريال يومياً على السجين، فإذا صرفت عليه الرعاية اللاحقة 50 ريالاً في اليوم فلك أن تتصوري ما ستوفره على خزانة المال العام إضافة إلى درئها كلفة الجريمة من النواحي الدينية والأدبية والأخلاقية وضياع حقوق الضحايا في ما لو عاد إلى الجريمة.
هل العقوبة وحدها هي السبيل الوحيد لردع المجرم أو السجين؟
- العقوبة وحدها مفسدة حقيقية، ومن هنا فلا بد من أن تكون العقوبة إطاراً لبرامج إصلاح وتأهيل ورعاية تهدف إلى تحقيق منفعة مستقبلية من وراء العقوبة.
هل السجن الاجتماعي أشد فتكاً من أي سجن آخر؟
- كلاهما مؤذٍ جداً، لكن العبرة هنا بالعدد، فالسجناء في السجن الاجتماعي أكثر عدداً من السجناء في السجون الجنائية، ونتائج السجن الاجتماعي قد تطاول بسلبياتها أجيالاً كثيرة. وهذه السلبيات من أهم العوائق أمام العدالة، والتنمية الشاملة، وتحويل المجتمع إلى مجتمع مؤسساتي متحضر.
مؤسسات المجتمع المدني من يقف في طريق انتشارها؟
- يوجد في كل مجتمع أشخاص لا تأهلهم قدراتهم العقلية والنفسية والثقافية لتقبل التطور، ولا تأهلهم أيضاً لتحقيق مصالحهم وهم يعرفون نقاط ضعفهم هذه فيحاربون مظاهر ومضامين التغير الاجتماعي من منطلق ديني في الغالب.
وبالتالي فإن من يقف في طريق هذه المؤسسات هم قلة اعتادوا على تحقيق مكاسبهم وإخفاء عيوبهم بكبت المجتمع وهضم حقوقه المشروعة وسيتناقص عددهم مع مرور الوقت لأن التغير الاجتماعي تيار قوي سيجرف كل من يسير عكس اتجاهه وإن اعترضت طريقه هذه العوائق الطبيعية والمصطنعة.
سيرة ذاتية ...
ولد مضواح آل مضواح عام (1968م). في قرية لواء آل مضواح بمحافظة رجال ألمع - منطقة عسير.
التأهيل العلمي
- تلقى تعليمه العام في منطقة عسير، عدا الصف الخامس الابتدائي في مدينة جدة.
‌- حاصل على البكالوريوس في التربية من جامعة الملك سعود.
- حاصل على درجة الماجستير في العلوم الاجتماعية - مكافحة جريمة وإدارة
برامج مؤسسات إصلاحية - من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، وكانت
الأطروحة بعنوان: «النتائج المترتبة على عقوبة السجن» دراسة ميدانية على
سجون المملكة.
- حاصل على دكتوراه الفلسفة في العلوم الأمنية من جامعة نايف العربية
للعلوم الأمنية، وكانت الأطروحة بعنوان: «المنفعة المستقبلية للعقوبة من
وجهة نظر النزلاء» دراسة ميدانية على سجون المملكة.
الحياة العملية
- يعمل حالياً مديراً للإصلاح والتأهيل بسجون منطقة عسير.
- رأس عدداً من اللجان، وعضو في لجان أخرى.
- عضو في نادي أبها الأدبي.
الإنتاج العلمي
- كتاب بعنوان: «من يجرؤ على السكوت؟».
- كتاب صدر حديثاً بعنوان: «المنفعة المستقبلية للعقوبات الجنائية من منظور إصلاحي».
- ما يربو على 80 بحثاً علمياً ومقالاً منشوراً في مجال علم الجريمة
والعقوبة، والقضاء، والسياسة الجنائية، والنظم والمشكلات الاجتماعية،
والتغير الاجتماعي بما فيه التغير الثقافي، والتطرف والإرهاب، والسياسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.