تصادف ليلة 27 رمضان من كل سنة ذكرى بيعة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ففي 26 رمضان 1438 تولى سمو الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، فيكون قد مضى على هذا الحدث أكثر من خمس سنوات.. صحيح أنها خمس سنوات في عمر الزمن لكنها في عمر التاريخ والنهضة والتطور تعادل عشرات السنين، بل لا أكون مبالغاً إذا قلت إنها تعادل مئات السنين في عمر الدول، وسأذكر مثالين مهمين دالين على حجم هذا التحول المدهش بالفعل.. الأول: موقف الأمير من البيروقراطية التي هي غول الدولة الحديثة، لقد صمد الأمير إلى غول البيروقراطية وحاصرها في كل منعطف وفي كل زاوية حتى خنقها.. ولم يشعر البيروقراطيون إلا أنهم أصبحوا - بين عشية وضحاها - خارج الزمن. وأهم مثال في هذا هو سن القوانين والأنظمة التي ضخت في شرايين الدولة ماء الحياة. لقد كانت القوانين والأنظمة تخرج تباعاً لدرجة أن المتخصصين بالقانون باتوا يعيشون في سباق مع الزمن ليبقوا على قيد القانون أمام هذه الثورة التشريعية الهائلة. وما زلت أتذكر حديث ذلك الصديق القانوني د. نايف المزيد وهو الأستاذ المميز في القانون التجاري يوم كان يقول لي: نحن أساتذة القانون في المملكة أصبحنا في تحد رهيب أمام هذه النهضة القانونية الكبيرة التي لم يكن يتوقعها أكثر المتفائلين.. وأي متخصص -كما يقول- يتخلى عن متابعة جديد الأنظمة واللوائح في تخصصه سيكتشف ذات يوم أن الأمير وضعه خارج الزمن! والمثال الثاني: هو موقف الأمير من التطرف والإرهاب، وهو أكبر مهدد للدول في العصر الحديث.. وباختصار كانت استراتيجية الأمير في معالجة التطرف تقوم على ثلاث ركائز: الأولى: في تشخيص مصدر الخلل بشكل دقيق. فقد كانت المعالجات من قبل تتجه فقط إلى محاسبة من يشعل عود الثقاب، أما اليوم فقد ذهبت إلى أبعد من هذا.. فذهبت إلى محاسبة من يملأ الغرفة بالغاز ويتوارى دون أن يعرفه أحد.. والركيزة الثانية: شطب المنطقة الفاصلة بين الدولة والتنظيم.. وذلك أنه كان فيما قبل توجد مساحة في غاية الخطورة يسكن بها أولئك الذين لا يؤمنون بالدولة، فيقولون نحن لسنا ضد الدولة ولسنا معها، وكانت توفر لهم هذه المنطقة الأمان الكافي، لأنها كانت تتكئ على ما تظنه حاضنة شعبية.. فجاء الأمير بكل شجاعة وشطب هذه المنطقة، وصار ليس أمام هؤلاء إلا أن يحددوا موقفهم: إما أن ينحازوا إلى دولتهم ويكونوا من رجالها، أو ينحازوا إلى هذه التنظيمات، وفي هذه الحالة عليهم أن يواجهوا الشرع والقانون. الركيزة الثالثة: إلغاء الوصاية على الناس، فلا توجد وصاية على الناس إلا وصاية الدولة، فضلاً عن وصاية الشرع المطهر الذي هو دستور هذه البلاد ومادة وجودها. لكن المقصود التأكيد على أن فكرة تكوين الوصايات القبلية أو الاجتماعية أو المتلبسة بالدين هذه انتهت ولم يعد لها وجود.. كان في السابق يمكن لشاب قضى شطراً من عمره في تعاطي المخدرات ثم أقلع عنها أن يفرض وصايته الدينية على الناس ويشكل وعيهم وتصورهم.. وفي السابق كان يمكن لمتعالم جاهل أن ينجح -عبر فتوى جائرة- في خطف ابنك من بين يديك ويرسله لمحرقة الحرب في سوريا أو في العراق أو غيرها دون أن تعترض بكلمة. فقط عليك أن تستقبل (التهاني) بنبأ (استشهاده). كل هذا اليوم انتهى ولله الحمد وأصبح الحديث عنه شيئاً من الماضي. لست في مقام تعداد حصاد هذه البيعة المباركة لكن ما قيدته هنا جاء نتيجة الاهتمام والتخصص، وهو أيضاً طرف يسير، وأعتقد أن المتخصصين بالاقتصاد والسياسة سيكون حصادهم أكثر وأكبر. حفظ الله خادم الحرمين وسمو ولي العهد الأمين ونسأ في آثارهم وبارك في أعمارهم.. وحفظ هذا الشعب الوفي وحرس هذا البلد الكريم وظلله بالأمن والأمان.