توجت المملكة العربية السعودية بالترتيب الثاني على مستوى العالم في الوعي المجتمعي بالذكاء الاصطناعي، بعد أن كشف استطلاع للرأي ارتفاع معدل ثقة المواطنين السعوديين بالتعامل مع منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي في المملكة وفقا لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي بنسخته السادسة (Artificial Intelligence Index Report 2023) الصادر عن جامعة ستانفورد الأمريكية خلال شهر أبريل الجاري. ويعد هذا التقرير بمثابة مصدر شامل لواضعي السياسات والباحثين والمتخصصين في الصناعة لفهم الوضع الحالي للذكاء الاصطناعي والاتجاهات المستقبلية بشكل أفضل، وبين أن المملكة توجت بالمرتبة الثانية عالمياً بعد الصين في جانب إيجابية وتفاؤل المواطنين السعوديين تجاه منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي المقدمة بالمملكة خلال المرحلتين الحالية والمستقبلية، الأمر الذي يعد تتويجاً لجهود التحول الرقمي التي يقودها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في إطار رؤية 2030 والتي تسعى لتعزيز الحوكمة الرقمية وتسهيل الأعمال ورفع مستوى جودة الحياة. وتضمن الاستطلاع عدداً من المعايير كان من أهمها مدى «معرفة المجتمع بفوائد وقيمة منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي»، وأتت السعودية في المركز الأول عالمياً مساويةً للصين ومتقدمةً على كوريا الجنوبية والولايات المتحدةالأمريكية، وذلك في سؤال حول «الأثر الإيجابي لمنتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي على حياة المشاركين في الاستطلاع خلال 3 - 5 سنوات القادمة»، فيما أتت السعودية في المركز الثاني عالمياً متقدمةً على كوريا الجنوبية والبرازيل عند الحديث «عما إذا كانت منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي ستجعل حياة المشاركين في الاستطلاع أسهل»، كما جاءت السعودية في المركز الثاني عالمياً متقدمة على الهند وفرنسا وروسيا عند سؤال المشاركين «حول معرفتهم بالفوائد والقيمة من منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي». وأشار التقرير إلى ارتفاع معدل ثقة المواطنين السعوديين بالتعامل مع منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي في المملكة وأثرها الإيجابي في المستقبل؛ الأمر الذي يؤكد النظرة الاستشرافية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي دعا خلالها إلى بناء نموذج رائد لإطلاق قيمة البيانات والذكاء الاصطناعي لبناء اقتصادات المعرفة والارتقاء بأجيالنا الحاضرة والقادمة. وتُراهن قيادة المملكة على الشباب السعودي في مشروع التحول الرقمي القائم على اقتصاديات الذكاء الاصطناعي؛ باعتبارهم المُحرك الأساسي لها ومن أهم وأكبر الفئات الأساسية المُستفيدة منها. ويعد اهتمام القيادة بالذكاء الاصطناعي بارزاً، حيث أشار إلى ذلك ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في كلمته أثناء قمة العشرين 2019 في أوساكا: «نحن نعيش في زمن الابتكارات العلمية والتقنيات غير المسبوقة وآفاق نمو غير محدودة، ويمكن لهذه التقنيات الجديدة مثل: الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في حال تم استخدامها على النحو الأمثل، أن تجنب العالم الكثير من المضار وتجلب للعالم الكثير من الفوائد الضخمة». ويأتي احتضان المملكة للقمم العالمية للذكاء الاصطناعي برعاية ولي العهد، ليؤكد تميزها وتفوقها وريادتها حتى أصبحت نموذجا عالمياً رائداً في بناء اقتصادات المعرفة لخدمة الأجيال الحاضرة والقادمة؛ تحقيقاً لمستهدفات رؤية 2030. كما تجلى اهتمام القيادة الرشيدة بهذه التقنية بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» عام 2019، لتتولى إدارة هذا الملف بصفة رسمية في المملكة بصفتها الجهة المختصة في المملكة بالبيانات (بما في ذلك البيانات الضخمة) والذكاء الاصطناعي والمرجع الوطني في كل ما يتعلق بهما من تنظيم وتطوير وتعامل، وبما يضمن الارتقاء بالمملكة إلى الريادة ضمن الاقتصادات القائمة على المعلومات والبيانات والذكاء الاصطناعي. كما ساهمت مراكز التميز التي أطلقتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية، في تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة أهدافها وتطوير منتجاتها في مجالات البحوث والابتكار التي تغطي كافة المجالات الحيوية. كما تواصل المملكة تقدمها الدولي في المجالات التقنية الحديثة وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع رؤية وتطلعات ولي العهد؛ بأن تكون المملكة العربية السعودية من أفضل دول العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن بين أهم 5 دول في هذا المجال. وتواصل السعودية وبكل فخر واعتزاز جهودها لتنافس على المراكز الأولى عالمياً في مجال هذه التقنيات المتقدم، كيف لا وهو الذي دعا عام 2020، كافة الحالمين والمبدعين والمستثمرين وقادة الرأي للانضمام لنا في المملكة لنحقق معاً هذا الطموح ونبنيَ نموذجاً رائداً لإطلاق قيمة البيانات والذكاء الاصطناعي لبناء اقتصادات المعرفة والارتقاء بأجيالنا الحاضرة والقادمة. وبهذا الدعم الكبير احتلت المملكة عام 2020 المركز الأول عربياً، والمركز 22 عالمياً في المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي، مقارنة بالمركز 29 عالمياً عام 2019، وفقاً لتقرير مؤشر «Tortoise Intelligence» وسط طموح كبير من ولي العهد بأن تكون المملكة العربية السعودية من أفضل دول العالم في الذكاء الاصطناعي. ولمعالجة التحديات الأخلاقية التي قد تنتج في مجالات الذكاء الاصطناعي، تم في عام 2022 إطلاق مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لأخذ مرئيات العموم والتي لها دور في تسهيل التطبيق العملي للأخلاقيات أثناء مراحل دورة حياة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، ودعم مبادرات تنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة، كما انضمت في العام ذاته إلى شراكة التنمية الرقمية تحت مظلة البنك الدولي وهي شراكة تعاونية بين القطاعين العام والخاص لمساعدة الدول النامية على الاستفادة من الابتكارات الرقمية؛ لحل بعض القضايا الأكثر تحدياً. وكثفت «سدايا» الجانب التوعوي بالذكاء الاصطناعي واستخداماته ومن ذلك تنظيمها للقمتين العالميتين للذكاء الاصطناعي خلال عامي 2020 و2022 إلى جانب دور أكاديمية سدايا في توفير معارف نوعية للمتدربين وضمان المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، ونشر الدراسات المعرفية، وأعدت كذلك معجم البيانات والذكاء الاصطناعي الذي يهدف إلى تسهيل مفاهيم مصطلحات البيانات والذكاء الاصطناعي ويحتوي على أكثر من (1000) مصطلح مع تعريفه. وانعكست الأدوار والإنجازات التي حققتها المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته على رقمنة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين والمقيمين عبر تطبيقات متقدمة مثل: تطبيق أبشر الذي تشرف عليه وزارة الداخلية وسهّل على مستخدميه الحصول على الخدمات الحيوية التي يحتاجها الإنسان في حياته بمجرد ضغطة زر. علاوة على ذلك قدمت «سدايا» تطبيق توكلنا خدمات وغيره من التطبيقات الخدمية التي استفاد منها المواطن والمقيم، وأسهمت هذه الأدوار الناجحة في تفعيل دور الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال للمساهمة في بناء الوطن ورفعته وذلك في إطار عمل حكومي منظم بالتعاون مع القطاع الخاص بما يتوافق مع رؤية السعودية 2030، كما أطلق المركز الوطني للذكاء الاصطناعي في «سدايا» نظام «صوتك» المتقدم لتحويل الكلام إلى نصوص اعتماداً على تقنيات التعرّف على الصوت بالتعاون مع الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي (سكاي) المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة. وقدمت المملكة للعالم أفضل صورة لتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال مدينة المستقبل «ذا لاين» التي تُعد هدية من ولي العهد للبشرية في كيفية تخطيط المدن خلال ال150 سنة القادمة، وكيفية تطويع المملكة لحلول الذكاء الاصطناعي والبيانات لبناء المجتمعات المستدامة. ومن نتائج تقنيات الذكاء الاصطناعي في المملكة الاستفادة من البيانات الجغرافية المكانية في إيقاف التصحر والزراعة العشوائية والمحافظة على البيئة، ولدى شركة «أرامكو» السعودية أكبر استخدام صناعي للبيانات والذكاء الاصطناعي، حيث استخدمت حساسات الميثان وإنترنت الأشياء والبيانات والذكاء الاصطناعي لتقديم أنظف الأنشطة في قطاع التكرير والكيميائيات والتسويق للعالم. وفي الجانب الأكاديمي، برز دور جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، حيث تم تأسيس مركز للتميز في علوم البيانات والذكاء الاصطناعي مع «سدايا»، إضافة إلى أدوار علمية أخرى تقوم بها جامعاتنا الحكومية والخاصة في سبيل تطوير مناهجها الأكاديمية التي تدّرس علوم الذكاء الاصطناعي بمختلف مجالاته، وهو ما سيسهم في بناء جيل سعودي قادر على التعامل مع هذه التقنيات بكل احترافية. واستثمرت وزارة الصحة الذكاء الاصطناعي فعملت بالتعاون مع «سدايا» على إنشاء مركز للتميز في الذكاء الاصطناعي يتم من خلاله تحديد الأمراض ذوات الأولوية (مثل سرطان الثدي، واعتلال الشبكية السكري) وتطوير الحلول الذكية للمساهمة في التنبؤ المبكر بمثل هذه الأمراض. وأطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة بالشراكة مع «سدايا» أول مركز متخصص في المملكة والشرق الأوسط لحلول وتطبيقات الاستدامة بمسمى «مركز الذكاء الاصطناعي في البيئة والمياه والزراعة»، وبرنامج «الكوكب الذكي»، وذلك ضمن الأولويات الوطنية لإيجاد حلول مبتكرة للمساعدة في الاستفادة من إمكانات الموارد غير المستغلة واستدامتها عبر تطبيق أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويبقى الذكاء الاصطناعي حديث الحاضر والغد، لا سيما على صعيد بناء المدن الذكية التي تعمل عليها المملكة من أجل الارتقاء بمستوى خدمات المدن وتحسين جودة الحياة من أجل خدمة البشرية والوصول إلى آفاق لا حد لها في استثمار تقنية البيانات والمعلومات، بغية صناعة الفرق نحو غد أفضل بإذن الله في بلادنا، حيث دخلت هذه التقنيات في مختلف جوانب الحياة الخاصة والعامة.