الدنيا تنتخب من يسيرها، وفي زمن الصورة، والفضائيات ثمة جدل حول ما يقدم من غث (أو ما يطلق عليه نظام التفاهة) وبين ندرة الجودة. وهذا الجدل سوف يعبر الأزمان، إذ ظل الناس جداراً يصد ركلات كورة (منسمة).. ومها قيل عن الناس والتقليل من وعيهم كفرية ليست حقيقية فمازال معظم الناس يقدرون المادة التي تحترم عقلياتهم، وتشبع الجوانب المعرفية لديهم، ويفرقون جيداً بين الغث وبين الجزيل أو البليغ، وليس هناك حقيقة لمقولة (الجمهور عاوز كذا)، فهي مقولة مدسوسة لتمرير (الهيافة)، حقاً هناك من يحترم وجوده الحياتي، مؤمناً أن عليه إبقاء أثر في ما يفعل. وفي اعتقادي أن المال الغبي ينتج الغباء ذاته، وإذا أردت بسط هذا الاعتقاد على المنتجين للمادة الإعلامية أو الدرامية، سوف تكتشف أن المال الغبي يقف دافعاً لإحلال التافهة محل الجودة، وفي عملية معاكسة سوف تجد أن خلف كل مادة بليغة شخصاً يقدر ذاته، ولذلك لا يقدم على تقديم الهابط، ولأن المساحات الفضائية شاسعة تبلع كل ما يلقى فيها، يصبح تميز أي مادة ملقاة على كاهل المنفذ والمعد لتلك المادة، نعم هناك سخفاء يتمددون كفقاعات الصابون الرخو، فلا يصلون إلى ماهية الصابون أو الماء، بل هم فقاعات ربما تدفعهم الأمواج إلى المقدمة، إلا أنهم ينتهون زبداً على أي شاطئ مكتظ أو مقفر. القيمة الإعلامية الحقيقية هي الذات، ذات من يقدم للناس رسالة ثقافية إعلامية اجتماعية خدمية، توثيقية، وكما بدأت مقالتي أصر على مقولة أن الدنيا تنتخب من يسيرها، ومن البرامج البليغة التي تابعتها منذ زمن ثلاثة برامج تزداد حلاوة وطلاوة عبر المدد الزمنية التي قُدمت فيه موادها، وتلك البرامج هي: برنامج (الراحل) يقف خلفه الأستاذ محمد الخميسي. وبرنامج (من الصفر) يقدمه ويشرف على استضافة ضيوفه الأستاذ مفيد النويصر. ويأتي برنامج (الليوان) للأستاذ عبدالله المديفر في مقدمة الركب حادياً بصوت شجي عميق الفائدة طروب المعنى. هذه البرامج الثلاثة يؤكد منفذوها أنهم اختاروا تقديم البليغ، وهي برامج تمنح أصحابها قيمة لذواتهم قبل أن يمنحها الجمهور لهم. وكما أن المال الغبي ينتج الغباء، فإن الإعلامي أو المنشغل بتقديم الفنون رقيق الموهبة، بسيطاً في القيمة والمعرفة، فهو يعكس نوع القشرة التي يرتديها، وهذه الفئة لأصحابها قشور ضعيفة ومن شدة تهافتها يظن أصحابها أن جلودهم محمية من تلطخها بالتراب، ومن القاذورات التي يلقونها في الفضائيات، فترتد إليهم. وأخيراً التحية العظيمة لكل من يقدر ذاته في ما يقدم للناس من قيمة، تمنحه المكانة لنفسه وفي قلوبنا أيضاً.