نحن اليوم نعيش أعظم الأوقات التي عاشها الإنسان على وجه هذه الأرض من الناحية الصحية. فالطب أوجد حلولاً لعلاج الكثير من العلل والأمراض التي كانت في ما مضى حكماً بالموت للملايين من الناس. فاستخدام اللقاحات والمضادات الحيوية بدّلت مصير البشرية وقضت على أخطر الأمراض الفتاكة والتي تم القضاء على الكثير منها، إضافة إلى الثورة الطبية الهائلة في مجال الجراحة القلبية ومعالجة الأورام وزراعة الأعضاء وغيرها والتي أوجدت العلاج لأمراض كانت في ما مضى تعتبر مدمرة وقاضية. تمنح الأبحاث الطبية الحديثة في مجال الجينات الوراثية وتجديد الخلايا وتحديداً باستخدام الخلايا الجذعية الكثير من الآمال في إمكانية الوعود في مجال القضاء على الأمراض وإطالة العمر. وبحسب دراسة مهمة قام بها فريق عمل برئاسة البروفيسور كير كريستنسن في مركز أبحاث الشيخوخة في جامعة ساوثرن دانمارك، فمن المتوقع أن نصف الأطفال المولودين بعد عام 2000 في البلدان المتقدمة سيصلون لعمر المئة. وبالرغم من أن الطب الحديث قد نجح في إطالة أمد الحياة عند الناس، إلا أن ذلك ترافق مع زيادة نسبة حدوث الأمراض المرتبطة بالعمر والتي تسبّب انخفاضاً حاداً وخطيراً في جودة الحياة عند الكثير من المعمرين نتيجة شيخوخة الخلايا، خاصة مع الارتفاع المضطرد لضغوطات الحياة والجلوس المديد والابتعاد عن الطبيعة وفوائدها. تحصل شيخوخة الخلايا بسبب ضعف القدرة على تجديد وإعادة بناء خلايا جديدة سليمة أخرى بدلاً من الخلايا التالفة المنهكة. ومن المؤكد أن اتباع طرق الوقاية من أمراض العمر المتقدم وتحديداً الغذاء الصحي وكثرة الحركة والابتعاد عن التوتر وعن آفة التدخين يساعد على زيادة متوسط عمر الصحة Health Expectancy وليس فقط متوسط العمر المتوقع Life Expectancy. وتبيّن الدراسات المتنوعة والمهمة جداً أن الجينات الوراثية تلعب دوراً محدوداً للغاية في التسبب بالأمراض والشيخوخة المبكرة، حيث إن هذه الجينات الوراثية لا تعبر عن نفسها بأحداث المرض إلا في ظروف خاصة للغاية وعندما تجتمع مع العوامل الخارجية خاصة أخطاء التغذية والضغوطات والقلق وقلة الحركة. فالصحة خيار شخصي ومسؤولية تابعة. وتبقى الأعمار دوماً بيد الله.. و«فوق كل ذي علم عليم»، و«علم الإنسان ما لم يعلم»، و«هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، إننا أمام لحظات تاريخية في مسيرة الطب لأجل حياة أفضل وعمر أحسن وقدرة أعظم. المسيرة الإنسانية متواصلة لإعمار الأرض.