ما المطلوب من الصين؟ ماذا يريد الغرب من الصين؟ سؤالان يبدوان مشروعين، في ضوء محنة تفاقم الأزمة الصحية في الصين، إثر قرار بكين التخلي عن تدابير استراتيجية «صفر كوفيد» في 7 ديسمبر 2022؛ وهو ما أدى إلى ارتفاع مثير للقلق في عدد الإصابات الجديدة. ومع تخلي الصين عن الفحص الإلزامي، والعزل الصحي، وعدم إعلان العدد اليومي للإصابات والوفيات؛ أطلق الخبراء الصحيون الغربيون العنان لتكهناتهم بملايين الإصابات وآلاف الوفيات في الصين. وإزاء الصمت الصيني حيال ما يشاع عن امتلاء المستشفيات الصينية بالمرضى، وانشغال محلات متعهدي دفن وحرق جثامين ضحايا كوفيد-19، خرجت الدول الأخرى بقرارات تفرض قيوداً صحية وقائية على المسافرين القادمين من الصين، ولم تلقِ الصين بالاً لما يشيعه أخصامها في الغرب وآسيا؛ إذ واصلت خطوات التحرر من «صفر كوفيد»، بإعلانها فتح الباب لمنح تأشيرات الدخول للسياح الأجانب. كما قررت إعادة إصدار جوازات السفر لمواطنيها الراغبين في السفر للخارج، لتمضية عطلاتهم، أو ممارسة أعمالهم التجارية. وأعلنت الصين الثلاثاء ثلاث وفيات جديدة بكوفيد-19. لكن الغربيين يقولون إن هذا العدد الضئيل لا يتسق منطقياً مع الصور التي تؤكد انشغال محلات متعهدي الدفن بتجهيز عشرات الجثامين للدفن والحرق. وأشارت تقارير إلى انتظام طوابير طويلة أمام المستشفيات في مدن صينية عدة. ونقلت أنباء عن مدير محل لتشييع الجثامين قوله إن المحل الواقع في مدينة شينغدو يتعامل مع 200 جثمان يومياً. وقال أحد العاملين هناك إنهم ليس لديهم وقت حتى للأكل منذ قررت بكين إلغاء «صفر كوفيد». وأضاف أن المحل كان يتعامل مع ما يراوح بين 30 و50 جثماناً يومياً قبل قرار الصين إلغاء التدابير الصحية المشددة. وقال عامل في محل لحرق جثامين المتوفين إن دفتر مواعيدهم ليس فيه أي موعد شاغر حتى بداية سنة 2023. ونقلت الصحف الحكومية عن الموظفة بمستشفى تشاويانغ في بكين جانغ يوهوا قولها إن المستشفى يستقبل كل يوم ما بين 450 و550 مريضاً بكوفيد-19. وأشعل حمّى السفر قرار الصين إلغاء اشتراط العزل الصحي بالنسبة إلى القادمين من الخارج، اعتباراً من 8 يناير 2023. وتدافع الصينيون الذين كانوا محرومين من السفر طوال السنوات الثلاث التي أعقبت اندلاع نازلة فايروس كورونا الجديد على مواقع حجز تذاكر الطيران. وذكر موقع «تريب دوت كوم» (الثلاثاء) أن الإقبال على الموقع زاد بنسبة 254% صباح الثلاثاء، قياساً باليوم السابق. والأماكن التي اشتد إقبال الصينيين على السفر إليها هي سنغافورة (600%)، وكوريا الجنوبية (400%)، ثم هونغ كونغ، واليابان، وتايلند. وأعلنت الهند، واليابان أنهما ستشترطان على القادمين من الصين إبراز نتيجة سالبة لفحص حديث. وقالت اليابان إنه إذا تأكد تشخيص إصابة أي قادم من الصين، فسيتعين عليه البقاء أسبوعاً في مركز للعزل الصحي. وقالت الولاياتالمتحدة إنها قررت اللجوء إلى تدبير مماثل، بسبب «عدم شفافية المعلومات الصينية». وذكرت الفلبين أنها تدرس اتخاذ إجراء مماثل. وقال وزير النقل الفلبيني جايمي بوتيستا أم: يجب أن نكون غاية في الحذر إذا كان عدد الإصابات كبيراً في الصين. وقررت ماليزيا فرض إجراءات تتعلق بتعقب ومراقبة القادمين من الصين. وأعلنت الصين أنها قررت إخضاع 2% من القادمين إلى جميع مطاراتها للفحص، لضمان اكتشاف أية سلالة فايروسية جديدة قبل تفشيها في البلاد. وأعلنت إدارة الهجرة الوطنية الصينية، أمس الأول، أنها قررت استئناف إصدار جوازات السفر للمواطنين الصينيين. وأضافت أنها ستبدأ استقبال طلبات الأجانب لتمديد تأشيرات الإقامة أو تجديدها اعتباراً من 8 يناير المقبل. وأعلنت تايوان أمس، أنها ستعمد إلى تقليص تدابير الفحص والعزل الصحي، استعداداً لاستقبال عشرات الآلاف ممن سيغادرون الجزيرة للتمتع بعطلة رأس السنة الصينية في الصين. وعلى رغم أن تايوان لا تسمح بدخول سياح من الصين، إلا أن عدداً كبيراً من مواطنيها يعملون في الصين ويستثمرون فيها. ويخشى العلماء في الدول الغربية أن يؤدي التفشي المتسارع في الصين لكوفيد-19 إلى ظهور سلالة فايروسية جديدة. وأعلن مختبر GISAID، وهو تحالف من علماء العالم متخصص في معرفة التسلسل الوراثي للإصابات بكوفيد-19، الثلاثاء أن الصين عززت إجراءات المراقبة لمواجهة التفشي المتفاقم. وأضاف أن البيانات التي تتشاركها الصين مع المختبر تؤكد أن التفشي الكبير الراهن في الصين هو لسلالات موجودة في بقية أرجاء المعمورة منذ يوليو 2022. وعلى رغم القلق الغربي والآسيوي من أن تكون للتفشي الفايروسي الراهن في الصين انعكاسات سالبة على تلك الدول؛ إلا أن قرار بكين إعادة إصدار جوازات السفر لمواطنيها أثار ارتياحاً كبيراً؛ لأنه يعني أن السياح الصينيين المعروفين بوفرة أموالهم سيتدفقون على العواصم والمناطق السياحية في بلدانهم خلال عطلة رأس السنة القمرية الصينية. ويجدر بالذكر أنه قبيل اندلاع نازلة كورونا كان السياح الصينيون يمثلون شريحة كبيرة لصناعة السياحة في الدول الآسيوية المجاورة للصين، وأوروبا، والولاياتالمتحدة. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أمس، إن فتح الباب لعودة السياح الأجانب للصين ستكون له فوائد جمة على نمو الاقتصاد العالمي. وأضاف أن الصين ستتعاون مع جميع البلدان لضمان استقرار سلاسل الإمداد الصناعي والتجاري، بما يؤدي إلى انتعاش الاقتصاد العالمي. غير أن بلومبيرغ ذكرت أمس (الأربعاء) أن خبراء صحيين واقتصاديين يعتقدون أن الحزب الشيوعي الصيني الحاكم سيبقي قيوداً على عدد السياح الآتين إلى الصين حتى منتصف سنة 2023، في أقل تقدير، ريثما تتمكن الصين من تطعيم ملايين من مسنيها بالجرعة التنشيطية من لقاحات كورونا. وهو إجراء يتمسك الخبراء بأنه ضروري لضمان تفادي أية أزمة صحية عامة. ألمانيا: جدال حول إزالة الإجراءات الوقائية اندلع جدل وسجال بين أقطاب الائتلاف الذي يحكم ألمانيا، في شأن ما إذا كان يتعين إلغاء ما بقي من تدابير وقائية تهدف لصد نازلة فايروس كورونا الجديد. وذلك بعدما قال أحد أبرز علماء الفايروسات الألمان إن الوباء العالمي انتهى. وكانت ألمانيا ألغت معظم التدابير الوقائية؛ لكنها، على النقيض من بقية حليفاتها في أوروبا، لا تزال تفرض إلزامية ارتداء قناع الوجه (الكمامة) في جميع القطارات والباصات. كما أن الكمامة لا تزال إلزامية في المرافق الصحية. وإلى جانب الكمامة، يتعين إبراز نتيجة سالبة لفحص كورونا عند دخول المستشفيات ودور إيواء المسنين. وبالنسبة إلى النقل الداخلي، فإن التدابير تحددها حكومة كل من مقاطعات ألمانيا، البالغ عددها 16 مقاطعة. وكان أستاذ علوم الفايروسات بمستشفى شاريت في برلين البروفسور كريستيان دروستن قال لصحيفة «تاغيسبيغل»، في عددها الصادر الثلاثاء، إنه لا يرى مبرراً لاستمرار فرض الإجراءات الصحية الوقائية. وزاد: إننا نتوقع أي موجة تفش لكوفيد-19 باعتباره مرضاً متوطناً محلياً خلال الشتاء الحالي. وتقديري أنه بتوطن الفايروس في البلاد معناه أن الوباء العالمي انتهى. وأضاف أن ذلك يمكن أن يتغير إذا ظهرت سلالة فايروسية متحورة عالية الخطورة. وقال: «لكني لا أتوقع ذلك في الوقت الراهن». وقال وزير العدل الألماني ماركو بوشمان إن البروفسور دروستن كان أشد العلماء تحفظاً إبان الأزمة الصحية. وأضاف أنه يتعين إلغاء ما بقي من التدابير الوقائية. وزاد أن إلغاءها ممكن بنص القانون، قبل موعد إعادة النظر فيها بحلول 7 أبريل 2023. غير أن وزير الصحة البروفسور كارل لوترباخ، وهو طبيب متخصص في مكافحة الأمراض المُعدية والأوبئة، قال إن إلغاء الإجراءات الوقائية سيكون إهمالاً شنيعاً. وأكد أن البروفسور دروستن لم يدع إلى ذلك. وأضاف لوترباخ أن نزلاء دور إيواء المسنين لا يزالون بحاجة إلى حماية. وأشار إلى الضغوط التي تواجهها المرافق الصحية حالياً جراء الإصابات الجديدة بالفايروس. وزاد: المستشفيات مملوءة بالمرضى، والكوادر الصحية يعملون فوق ما تسمح به طاقاتهم، والوفيات مرتفعة، والشتاء لم ينته بعد.