شتاءٌ لا يشبه أي شتاء آخر طوال تاريخ بريطانيا المعاصر. فقد تضافرت العاصفة الثلجية الآتية من القطب الشمالي المتجمد، والأمطار الغزيرة مع سلسلة من الإضرابات في قطاعات حيوية. وقد بدأ شتاء الإضرابات أمس (الأربعاء) مع دخول الممرضات في إضراب عن العمل. وانضم إليهن آلاف من سائقي وكوادر سيارات الإسعاف في مقاطعتي إنجلترا وويلز. وأقرت الخدمة الصحية الوطنية بأنها باتت تخضع لضغوط غير مسبوقة، محذرة من أن الإضراب يهدد حياة آلاف من المرضى المنومين في المشافي البريطانية. صحيح أن الإضراب سببه المعلن هو خلاف على مطالب بزيادة الأجور بمستوى معدل التضخم، الذي بلغ 11% في أكتوبر 2022؛ ما أدى إلى ارتفاع حاد في كلفة المعيشة. بيد أن السبب الرئيسي هو فايروس كورونا الجديد، الذي يسبب مرض كوفيد-19. وتقول نقابة الكوادر الصحية البريطانية إن أجور العاملين في قطاع الخدمة الصحية انخفض بنسبة 17% منذ سنة 2010، في حين أن الفترة نفسها شهدت ارتفاعاً في الطلب على خدمة سيارات الإسعاف بنسبة 77%. وتقول الحكومة البريطانية التي يسطر عليها حزب المحافظين، بزعامة رئيس الوزراء ريشي سوناك، إن هيئة مختصة بمراجعة الأجور أوصت بزيادة رواتب العاملين في الخدمة الصحية الوطنية إلى ما لا يقل عن 1400 جنيه إسترليني (6329 ريالاً سعودياً). غير أن النقابات العمالية تتمسك بأن أية زيادة يجب أن تزيد على معدل التضخم، الذي بلغ 10.7% خلال نوفمبر الماضي. وسارعت الحكومة إلى الاستعانة بقوات الجيش البريطاني ليقودوا سيارات الإسعاف في الحالات الطارئة. غير أن العسكريين لا يملكون الصلاحيات القانونية التي تتيح لسائقي وأطقم سيارات الإسعاف من المدنيين التدخل سريراً لمعالجة المرضى. ويعاني البريطانيون في هذا الشتاء من إضرابات مبرمجة لموظفي السكك الحديد، وقطارات المترو. ويتوقع مع انبلاج فجر السنة الجديدة (2023) أن تتداعى للتصويت على الإضراب نقابات التعليم، وموظفي المطارات، والأطباء. وفي أثناء ذلك؛ واصل فايروس كوفيد-19 زيادة سرعة تفشيه في بلدان العالم، إلى ما يقارب 600 ألف إصابة جديدة يومياً، يرافقها عدد متزايد من الوفيات بكوفيد-19. وسجلت دول العالم الثلاثاء 563984 حالة جديدة، رافقتها 1741 وفاة إضافية. وبدا أن المحنة في اليابان فاقت مثيلاتها في كل البلدان. فقد أعلنت اليابان أمس (الأربعاء) أنها سجلت خلال الساعات ال 24 الماضية 206943 إصابة جديدة. وجاءت تالية لها كوريا الجنوبية، التي قالت الأربعاء إنها سجلت 88172 إصابة جديدة خلال الساعات ال24 الماضية. وحلت الولاياتالمتحدة- الأولى عالمياً لجهة عدد الإصابات والوفيات منذ اندلاع نازلة كورونا في 2019- ثالثة بتسجيلها 67368 إصابة جديدة الثلاثاء، رافقها قيد 407 وفيات إضافية، تمثل ارتفاعاً بنسبة 41% عما كان عليه قيد الوفيات قبل 14 يوماً. ونقلت صحيفة «الغارديان» اللندنية أمس عن علماء مرموقين ومستشارين لمنظمة الصحة العالمية قولهم إنه لا يزال سابقاً لأوانه إعلان انتهاء حال الطوارئ الصحية، التي تسود أرجاء العالم منذ ظهور فايروس كورونا الجديد. وعزوا ذلك إلى اعتقادهم بأن موجة فايروسية كبيرة تجتاح الصين هي السبب في تلك التوقعات. من المفارقات أن العلماء الغربيين ظلوا ينددون بالصين طوال السنوات المنصرمة، منتقدين انتهاجها استراتيجية «صفر كوفيد» للقضاء على تفشي عدوى الفايروس. ولما أقدمت الصين على تنفيذ ما يريدون خرجوا للتنديد بالقرار الصيني! وقال خبراء للصحيفة البريطانية إن سياسة «صفر كوفيد» نجحت في إبقاء إصابات كوفيد-19 في أدنى مستوياتها في البلاد التي يعمرها نحو 1.4 مليار نسمة. لكنهم قالوا إن قرار الصين تخفيف القيود الوقائية المشددة أحدث تغييراً في المشهد العالمي للأزمة الصحية. وكان مدير منظمة الصحة العالمية الدكتور تادروس غبريسيوس قال في سبتمبر 2022 إن نهاية الطوارئ الصحية العالمية الناجمة عن تفشي وباء كوفيد-19 باتت في مرمى البصر. وأبلغ مجموعة من الصحفيين في جنيف الأسبوع الماضي بأنه يأمل بنهاية للطوارئ الصحية خلال سنة 2023. وكان انحسار هجمات الفايروس خلال النصف الثاني من 2022 حدا بعدد كبير من الدول إلى تخفيف تدابيرها الوقائية. ويتوقع أن يعقد العلماء الذين يقدمون المشورة إلى منظمة الصحة العالمية اجتماعاً في جنيف نهاية يناير القادم ليحددوا ما إن كان يتعين على المنظمة خفض مستوى الإنذار الصحي المعلن عالمياً. وتواصلت أمس المساعي المكثفة التي تبذلها حكومة الرئيس الصيني شي جين بينغ لمواجهة العدوى الفايروسية المتزايدة. ونشطت السلطات الصحية الصينية في تزويد المستشفيات بمئات الأسرّة الإضافية. كما قامت بفتح مزيد من «عيادات الحُمّى». وحذر علماء- بحسب «الغارديان» أمس- من أن السماح للفايروس بالعربدة في الصين من دون أي قيد يهدد بظهور سلالات متحورة وراثياً قد تغير المعادلة الفايروسية تماماً إلى الأسوأ. بيد أن المعلومات التي تقدمها الصين إلى منظمة الصحة العالمية وقاعدة بيانات الفايروس العالمية (GISAID) تشير إلى أن سلالة أوميكرون والسلالات المتفرعة عنها هي التي تهيمن على الأزمة الصحية هناك. وتحدثت رويترز، في تقرير لها أمس من بكين، عن اصطفاف عشرات من سيارات نقل الجثامين أمام محلات حرق الجثث، التي ارتفع الدخان من أفرانها. لكنها أقرت بأنه لا يوجد أي تأكيد رسمي لأن تلك الجثامين هي لضحايا مرض كوفيد-19. الهند تشدد الرقابة مع تزايد الإصابات وجهت الحكومة الاتحادية الهندية ولايات البلاد إلى تكثيف مراقبة تفشي إصابات فايروس كورونا الجديد، لاكتشاف أية سلالة فايروسية جديدة قد تنشأ هناك؛ مشيرة إلى ارتفاع عدد الإصابات الجديدة في دول؛ منها الصين. وتحتل الهند المرتبة الثانية عالمياً من حيث عدد الإصابات، بعد الولاياتالمتحدة. وشهد عدد إصاباتها الجديدة تراجعاً ملموساً خلال الأشهر القليلة الماضية. وقال وزير الصحة الاتحادي الهندي راجيش بهوشان، في رسالة إلى حكام ولايات الهند، إنه في ضوء التزايد المفاجئ في عدد الحالات الجديدة في اليابان، والولاياتالمتحدة، وكوريا الجنوبية، والبرازيل، والصين «من الضروري تكثيف عمليات فحص التسلسل الوراثي للحالات التي تأكدت إصابتها بكوفيد-19». وأضاف أن من شأن ذلك أن يتيح الكشف الفوري لأية سلالة جديدة قد تظهر. وطلبت الرسالة من مسؤولي القطاع الصحي في الولاياتالهندية إرسال كل عينة تتأكد إصابتها بالفايروس إلى أي من مختبرات تحديد التسلسل الوراثي للسلالات الفايروسية التي أنشأت الدولة 54 مختبراً منها في أرجاء البلاد. وأعلنت وزارة الصحة الهندية أن وزير الصحة التقى كبار مسؤولي القطاع الصحي في الولايات أمس (الأربعاء)؛ لدراسة الوضع الصحي في الهند. وتقول الهند إن عدد الحالات الجديدة التي يتأكد تشخيصها يقدر بنحو 1200 إصابة جديدة أسبوعياً. ويصل عدد الإصابات الجديدة في أرجاء العالم حالياً إلى نحو 3.5 مليون إصابة جديدة أسبوعياً.