ترجّل شيخ السّنة والتلاوة والزّهد والصلاة الخاشعة، حَبْرُ زمانه وأيقونة التقى والنقاء والوسطية الشيخ أحمد بن محمد الحواشي (رحمه الله)، إمام وخطيب الجامع الكبير سابقاً بخميس مشيط لما يقارب نصف قرن من الزمن، لم يسجد طيلتها بالناس سجدة سهو واحدة، أدار ظهره للدنيا فأتته راغمة بقصورها ودثورها لكنه أعرض عنها مبتغياً ما عند الله، ومكث بين الصلاة والتلاوة ترحّلاً، حصل على جائزة أبها كأفضل خطيب وإمام من يد الملك سلمان (حفظه الله)، إبان كان أميراً لمنطقة الرياض بحضور الأمير خالد الفيصل حينما كان أميراً لمنطقة عسير، كان أُمّةً من الصفاء والتسامح والتسامي والإنسانية والإحسان، لزم المسجد حتى كان مسكنه جزءاً من المسجد، كان لا ينتهي من صلاة حتى يدخل في صلاة، كان يختم القرآن بالمصلين في رمضان في ثلاث ليال، قال عنه الشيخ محمد صالح العثيمين (رحمه الله): من أراد أن يرى صلاة السّلف فليصلِ خلف الشيخ أحمد الحواشي، فإلى جنة الفردوس يا من شغفت القلوب والمسامع بتلاوته، وكان ناصحاً أميناً، وهَبَه الله القبول في الأرض، فكان القامة العملاقة والملاذ الآمن للمساكين وذوي العثرات والحاجات ببذل الشفاعات الحسنة لمساعدتهم وقضاء حوائجهم، كان دائماً محل تقدير ولاة الأمر (حفظهم الله)، أنزلوه المنزلة اللائقة به، كانوا يتعاهدونه بزياراتهم الكريمة، انتقل منذ سنوات لمكة المكرمة، متخذاً له في الحرم مكاناً لا يبرحه في عبادة يناجي ربه من صلاة الفجر إلى صلاة العشاء حتى وفاته (رحمه الله)، كان في جميع خطبه ومواعظه ولقاءاته منافحاً ومدافعاً عن وطنه وأمته، له مواقف وطنية واجتماعية نبيلة وأعمال خيرية لا تتسع المساحة لحصرها، نلْتُ شرف الكتابة عنه في هذه الصحيفة لمرّات عدّة، إحداها بعد حادثة الحريق الذي شب في سكنه ومسجده قبل سنوات وفيه توفي طفلاه (أنس وتسنيم)، لم يثنه ذلك الحادث المؤسف عن إلقاء محاضراته ودروسه، فبعد أن فرغ من دفن طفليه كان على موعد مع إلقاء محاضرة في نفس اليوم في جامع الحسنية بالخميس، فقام بإلقاء محاضرته في وقتها برباطة جأش عجيبة، أشرت إليها في مقالي حينئذٍ، كان لا يوجد لديه وقت ضائع، كما لا يوجد إفراط ولا تفريط، فإلى جنة الخلد يا من لفراقه تنادت بالبكاء قريتك البطحاء في الواديين وحي الدّرب، ومن حوله بالخميس توشحوا الأحزان التي تجاوزت جغرافية الوطن. أختم بخالص العزاء لأنجاله الدكتور محمد وعبدالرحمن وأهله ومحبيه، لنسأل الله أن يفرغ على الجميع جميل الصبر والسلوان.