بدّدت منذ أيام قليلة ابنة أختي «روينا»، ذات الأربعة عشر ربيعاً، كل مخاوفي التي أحملها دائماً من آثار سطوة ثقافة مواقع التواصل الاجتماعي على من هم في جيلها، وأقنعتني بكل لباقة وأدب أن مخاوفي وحتى مخاوف غيري من كل أبناء الأجيال السابقة إنما هي مخاوف لا مبرر لها غير أنها مخاوف أجيال عاشت على استباق المخاطر والعيش الدائم تحت مظلة التشاؤمية والنظر للنصف الفارغ من الكوب. جاء ذلك بعد حوار طويل ونقاش حاد -من قبلي- مستغلاً سلطة «الخؤولة» ومستنكراً سؤالها لي عن قيمة ما ألبس بطريقة: حدثنا عن الoutfit الخاص بك؟! الأمر الذي دفعني للسؤال أولاً عن السبب الذي جعلها تتحدث بلغة المزج ما بين العربية والإنجليزية هذه وثانياً عن سخافة السؤال الذي عرفت لاحقاً أنه عبارة عن «محتوى» انتشر مؤخراً عن طريق أحد المشاهير في إحدى المنصات، حيث علقت وبكل دم بارد بقولها: لازم تتخطى يا خال وما تشدها. والحقيقة أنني قرأت ردها هذا بأوجه عدة حيث شعرت أنها تريد أن تقول: أن عليّ ألا أحمل السلّم بالعرض وأساير الأمور. وقرأته بوجه آخر يقول: إن امتعاضك من قاموس لغتي لن يقدم ولن يؤخر من الأمر شيئاً. كل ما سبق وقبله ما أحمله من قلق على شكل المنظومة الاجتماعية جراء ما أراه في منصات التواصل الاجتماعي جعلني أعود بالذاكرة إلى مقاعد الجامعة قبل أكثر من عقدين من الآن لأتذكر شكل التعاطي الذي كنا نتلقاه في مناهج الإعلام عن العولمة كمصطلح «شرس بالضرورة» تسبب لنا في إرباك كل رؤانا تجاه المستقبل؛ كونه يقوم حسب التفسيرات التي تلقيناها على فرض هيمنة ثقافة واحدة، الأمر الذي جعلنا نسلم به بهذه النظرة وبهذا المفهوم الضيق فقط مضافاً لذلك كومة الوصايا التي انهالت علينا بتوخي الحيطة والحذر التي رافقتنا حتى بلغنا مبلغاً يفسر حديث السيدة «روينا» آنف الذكر حيث جيل استباق المخاطر والعيش تحت مظلة التشاؤمية والنظر الدائم للنصف الفارغ من الكوب. ولأن امتداد الحديث هذا سيقودنا لمتاهات «هجرة المفاهيم» وتحولات الثقافة كما هو عنوان كتاب القدير الدكتور سعد البازعي الذي أبدع فيه كعادته فهي فرصة أن أحيلكم بدوري لهذا الكتاب الذي سبر غور التحولات الثقافية عبر حقول الأفكار والإبداع ومفاتيح الكلمات، وأعود بكم لما بدأت به جازماً أن لا شيء سيبدد خوف كل رب أسرة من غول التحولات الثقافية داخل منزله كالحوار الشفاف القائم على الواقعية وقبل كل ذلك الإدراك بحقيقة أن ما عشناه في سابق الأيام والذي كان ناتجاً عن تجييش لا مبرر له أبداً ليس كما يعيشه ويخوضه الأبناء في هذا الزمن، فبينما هم يعيشون ويدركون أنهم جزء من منظومة العولمة كانت تُعرض علينا في كتاب بحجم الجيب كُتب على غلافه العولمة بهيئة ثعبان وخارطة العالم مخنوقة بين الحروف.