المملكة العربية السعودية، مثل بقية دول العالم، لها يوم وطني تحتفل بقدومه كل عام. في هذا اليوم تكون الدولة قد اكتمل توحيدها.. وفَرَضت سيادتها على إقليمها، انعكاساً لإرادة شعبها.. وانهالَ اعتراف الدول بها، اكتمالاً لأهليتها الدولية، كعضو دولي جديد محب للسلام.. وتُفتحت لها آفاق التعاون الدولي، خدمة لمصالحها وذوداً عن أمنها. إذا كان يعود لمتغيرٍ ما، أو بالأحرى لشخصٍ بعينِهِ، فَرْضَ واقع حقيقة المملكة العربية السعودية، فإن هذا يعود بلا جدال للعاهلِ المؤسس: جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود (1875 – 1953). الملك عبدالعزيز، هو أحد الساسة التاريخيين العظام في تأسيس الممالك.. وبناء الإمبراطوريات.. وإقامة الدول، الذي تعود لعبقريتهم السياسية الفذة، اختيارهم للحظة التاريخية المواتية لطموحاتهم السياسية.. وظروف مشروعهم السياسي الكبير. ما كان للملك عبدالعزيز، أن يتأخر عن هذه اللحظة التاريخية، ولا يستبقها وكأنه على موعد تاريخي محدد معها. كانت عبقرية الملك عبدالعزيز الفذة تستشعر بذكاء وقاد وبغريزة سياسية فطرية، التطورات المقدم عليها العالم، بداية القرن العشرين. وهو شاب في مقتبل العمر، كان مدفوعاً بهدف تاريخي محدد، كما كان يردد: استعادة مُلك آبائه وأجداده. فمُلْكُ آل سعود ليس بجديد على المنطقة، وإن كان المشروع واجهته صعاب وتحديات، في مرتين سابقتين، إلا أن التاريخ كان على موعدٍ مع الملك عبدالعزيز، لينجحَ، هذه المرة الثالثة. الملك عبدالعزيز في بداية تفكيره لجعل مشروع حلمه الكبير حقيقة، كان لا يمتلك من الأدوات ولا الإمكانات ولا الموارد ولا الحضور الإقليمي والدولي، ولا حتى التواجد في أرض ملكه، ما يشجعه بدء تنفيذ مشروعه السياسي الكبير والطموح، لبناء دولة قومية حديثة. إلا أن الملك عبدالعزيز، برؤياه الثاقبة، كان يرى أن عصر الهيمنة البريطانية، على العالم المعروف، حينها، بالعهد البريطاني (Pax Britannica) إلى أفول، وأن هناك نظاماً دولياً جديداً قادماً يتجاوز بريطانيا العظمى وأوربا، والعالم القديم بأسره، يحتاج إلى حربين كونيتين، ليكتمل تشكيله. لقد كان حدس الملك عبدالعزيز السياسي الفطري في محله، وكأنه كان يرى بثاقب بصيرته الحادة، مسيرة حركة التاريخ تتكشف أمام عينيه، وهو في طريقه لعاصمة ملكه التاريخية (الرياض) لاستعادتها (15 يناير 1902). من الرياض تواصلت فتوحات الملك عبدالعزيز من خلال خوضه لملاحم تاريخية مشهودة، انتهت بانتصارات إستراتيجية حاسمة، تمخضت عن إنشاء دولة قومية حديثة، تمتد بعرض شبه الجزيرة وبعمق طولها القاري، حتى الهلال الخصيب، شمالاً.. وبسواحل بحرية ممتدة لمئات الكيلو مترات، شرقاً وغرباً. باتضاح معالم ملكه العريض، في شبه جزيرة العرب، شغله استقرار مملكته الفتية، وفي ذهنه تجربة المملكتين السابقتين، لآل سعود، إلا أن اهتمامه الأكبر كان أمنها الإقليمي. داخلياً: حسم الأمر بارتكاز شرعية حكمه على عقيدة التوحيد وتطبيق شريعة الإسلام.. كما تكفل بحماية وخدمة مقدسات المسلمين (مكةالمكرمة والمدينة المنورة)، وجعل ذلك أساس شرعية حكمه، مما انعكس على سياسته الخارجية، مؤكداً على عروبة القدس وأرض فلسطين بأسرها، في لقاء البحيرات المُرّة، بمصر: 14 فبراير 1945 الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت (1882 – 1945). بنفس الدرجة من الحصافة والذكاء الفطري، الذي تعامل به مع وجود القوة الكونية الكبرى (بريطانيا العظمى)، أثناء فترة بناء دولته وتدعيم أركان حكمه، تعامل مع الدولة العظمى الجديدة، أثناء وبعد الحرب الكونية الثانية. لقد أقام جلالته علاقة تعاون متبادلة، مع واشنطن، تستند إلى المصالح المشتركة وعلى الندية المتبادلة، واحترام سيادة الرياض المطلقة على قرارها السياسي. كانت باكورة هذا التعاون، في مجال صناعة النفط، بإنشاء شركة النفط العربية الأمريكية (أرامكو) 1933. الملك عبدالعزيز آل سعود هو أساس شرعية هذا الكيان الكبير. في ذكرى اليوم الوطني: 23 سبتمبر، من كل عام، ليس بأفضل من تناول وتبصر سيرة كفاح هذا الزعيم التاريخي الفذ، لدوره الخالد في بناء هذا الكيان العظيم (المملكة العربية السعودية). على الجميع في هذا الكيان المهيب مواصلة المسيرة بكل ثبات وتصميم وحزم، بالبناء على منجزات هذا العاهل العظيم.. والتمسك بشرعية إرثه السياسي التليد.. واستكمال مسيرة مشروعه الطموح الكبير، بجعل المملكة العربية السعودية، أكثر استقراراً.. وأمنع أمناً.. وأغنى تراثاً وقيِماً.. وأشد تمسكاً بعقيدة ونهج الإسلام، كتاباً وسنةً.. وأمضى دعماً وثباتاً بقضايا العرب والمسلمين.. أبداً متقدمة.. أرسخَ ازدهاراً.. وأقوى منعةً.. وأرفعَ هيبةً، وأعلى مكانةً وشأناً، بين أمم الأرض. رحم اللهُ الملكَ (المؤسس) عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود.