امتدتْ مسيرةُ بلادي الظافرةُ لقرونٍ مديدةٍ، ونحتفي اليومَ باثنينِ وتسعين عاماً من الاستقرارِ، والتنميةِ، فنستعيدُ سيرةَ المؤسسِ العظيم، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمهُ الله، الّذي سطّرَ التاريخُ اسمَه بأحرفٍ من نور، ما زِلنا نَرى علاماتها في واقِعنا، إذ لم يكتفِ بتوحيدِ بلادِنا، وشَدِّ أطرافِها، بلْ سَبكَ قلوبَ أهلِها بحبِ الطّموح، والولاءِ للقيمِ العربيةِ الأصيلة، وعلى دربهِ سارَ أنجالُه الملوكُ الكرام، حتى جادَ الزّمانُ بسلمانِ الحزمِ والعزمِ والتنميةِ والاستقرارِ، وابتسمتْ الدُّنيا لبلادنِا والمنطقة، بإعلانِ تباشيرِ رؤيةِ 2030 التي عملَ على أدقِّ تفاصيلِها ولي عهدنا سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ملهمُ الشبابَ في بلادِنا والعالم العربي، وقائدُ الطموحِ والإنجازِ، بمباركة ملكية. وهي رؤيةٌ تَستَغِلُّ طاقاتِ إنسانِ السّعودية كُلِها، وتعمل لصالح المنطقة كاملة، وتدعمُ تحوّلها لواحةِ استقرارٍ؛ وأمان. كيفَ لا، وهي دعوةُ سيّدِنا إبراهيم، ومهدُ الرّسالة، وقلبُ العروبَةِ، ونقاعَةُ المجدِ المُؤَثَّل. أحدّثُكُم اليوم، ولكأني أنظرُ إلى المؤسسِ، يُطالعُ قبلَ أن يبدأَ رحلتَه لتوحيدِ بلادِنا، إلى تاريخِ الدّولِ والأيام، بخيرِها وشرّهِا، في صعودِها وهبوطِها. وقد أرادَ بناء مجدٍ يزيدُ على الأوائلِ، وجدّ عزمُه على حوزِ فضلٍ يبقى ويستمرُ وينفعُ الناس. فانتقى لرحلتِه، مع الرجالِ الشجعانِ المؤمنين بأمتهِم؛ رجالاً يضيفون إلى حواسِهم الخمس: حاسةَ الإدراك، وينظرون بالبصيرةِ، والحكمةِ. فكانت الحكمةُ والظفرُ، والأصدقاءُ والحلفاءُ الشجعان؛ أوّلَ «مال» تأثّلَته الدولةُ السعوديةُ في مسيرتها. وكان الأصدقاءُ والحلفاءُ، أقوى درعٍ لها، عرفنَا قيمتَه نحنُ الأحفاد، في صداقتِنا الدائمةِ مع الأشقاءِ في دولةِ الإمارات، صداقةٌ امتحنتْها الشّدةَ والرخاء، فما زادتْها الأيامُ إلا صلابةً وصلادةً ونقاء. أكادُ أنظرُ لأنفاسِ الجزيرةِ العربية، منذ عرفتْ نفسَها، فأجدُها في جِدِّ امرئ القيس وسَعيِه، وفي ناقةِ طَرَفَة بن العبد وهِمّتِه، وحكمةِ زهير بن أبي سلمى وصَبرِه، وفي أدبِ النابغةِ الذبياني وتلطفِه، كُلُّها تنبعثُ في صدرِ رجالِ المؤسس -متساءلةً- أما آنَ للزمانِ أن يسمحَ لإنسانِ هذه المنطقةِ بالأمان؟ أن يحجَ في أمنِ، ويبيتُ في سِعةٍ، ويصبحُ في أمل؟! كان عبدالعزيز، دعوةَ الأمهات، وفَرجَ الله لمنطقةٍ بخسها الناسُ حقَّها، وظلّوا يستكثرون عليها؛ أن جعل الله على ظهرها الحرمين، وفي بطنها الأنبياء والصحابة، وفي جنباتِها المعادن والكنوز. ولما جاء عبدالعزيز، كانت الاستجابة، فجاءت معهُ الدولةُ والنظام. لقد حرسَ الملكُ عبدالعزيز دولتَه الوليدةَ، بأن أهَّلَ القادةَ العظام، ودرَّبَ الرِّجال، فَأهَّلَ أبناءه الملوك الميامين سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، رحمهم الله، حتى سلمان حفظه الله، وقدَّم لهم خلاصة التاريخ، في كلمتين: احفظوا بلادَكم وأصدقاءَكم، وقد أثبتت الأيام أنه أجاد، وعلى دربه سارت البلاد. ثم كان بعدَ مئةِ سنةٍ أخرى؛ أنْ استدارَ الزمان، وتداخلت التّحديات، وجاءت طامةٌ إثرَ أزمةٍ ماليةٍ لكلّ الشرقِ الأوسط، ونزلتْ على ظهرِهِ بمطرقةٍ من حديد، فكادتْ أنْ تَتَشَتَتَ الشعوبُ مرةً أخرى، وانبعثتْ الفوضى من مرقدِها، بِفِتَنِها، وقلبُ الجزيرةِ لا يغطيه إلا ضلعُ عبدالعزيز المستقيم. كانت عبقريةُ الحكاية السعودية، التي نهضتْ بالتحالفِ مع رجالِ الخير، فعززتْ الاستقرار، لا في ربوعِ الوطن، بلْ وأنقذتْ الدولَ العربية، وصدّتْ أياديَ العبث. وكان قلبُها في يد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وعقلُها في يد ولي عهده الأمير محمد بن سلمان. فبلادُنا اليوم، ضمن العشرة الأوائلِ الأسرعَ تطورًا في تحقيقِ جودةِ مستوى العيش، ناهيكَ عن المساعداتِ الإنسانيةِ، والمسؤوليةِ الدوليةِ في الحفاظِ على المناخِ والمبادرات الحيوية، والسّعي لجلبِ السلام بين قوى العالم المتصارعة. بلادُنا اليوم تحتضنُ الحرمين الشريفين، وتقودُ مع رفاقِها في دولة الإمارات ودول الاستقرار، أكبر مشروع إصلاحٍ في التاريخ الحديث، بهمةٍ واقتدار، ويكمنُ فيه الأمل الأخير لاستعادة الدين من أيدي مُختَطِفِيه. أفلا يحقُ لنا أن نفْخَر! وأنْ يفخرَ معنا العرب. الديبلوماسيون، يتحفّظون في الكلام، ولكنّي بين يدي وطنٍ، يُسيل حروف كل عاشق للمجد، وتنداحُ في رحابه قريحةُ كل مؤمنٍ بالدولة، وفي عَرَصَاتٍ قدّسها الله واختارها لبيتِه، أين لي التوقفُ والتحفظُ والالتزام؟! كثيراً ما قيل لي: أنت سفيرُ رجلٍ عظيم، تخدِمُ دولةً عُظمى، فأستعير بفخرٍ ما قاله زهير، وأعتذر منه قائلاً: لوْ كانَ يَقعَدُ فوْقَ الشّمسِ من كَرمٍ قَوْمٌ؛ بأوّلُهمْ أو مجدهم قَعَدُوا: قَوْمٌ أبُوهُمْ (سعودٌ) حِينَ تَنْسُبُهُم طابُوا وطابَ منَ الأوْلادِ ما وَلَدُوا أنا وزملائي نعيشُ بينكم ولا نشعر بغربةٍ، بل نشعرُ بعمقِ الصّلةِ والتّشابه والتّطابق... وصدَقَ من قال إنّ «السعودي إماراتي والإماراتي سعودي». فإنّ من ينظرْ بعين الأخوة، وببصيرةِ المحبةِ الصادّقة، سيرى أنّ في «ليوا» شيئاً من «الثمامة»، وفي «الظفرة» كثيراً من «نجد»، وفي «حفيت» ملامحَ من «طويق»، وفي «قصر الحصن» نفحاتٍ من «المصمك». وفي كلِّ شيءٍ من هنا ألفُ شيءٍ من هناك! فلا غروّ أنْ نقولَ، نحنُ أنتم، وأنتمُ نحن، فنحن معًا وأبدًا. عِيال زايد وأحفاد عبدالعزيز، أخوان شما، وأخوان نوره «كف على معصم»، نخلتنا واحدة وعندنا سيفان. *كلمة سفير خادم الحرمين الشريفين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة تركي بن عبدالله الدخيل في اليوم الوطني السعودي ال92.