لا أعلم ما الذي يدور داخل الأندية الرياضية في المملكة، كونها كيانات خاصة وغير ملزمة بالإفصاحات غير المالية المتنوعة. لكن الواضح لي ومن خلال ما نشاهده ولو عن بُعد، أن الرياضة بعيدة عن رؤية السعودية 2030. ليست فقط الأندية بل اتحادات الرياضة برمتها. الرؤية تحدثت عن نقل الرياضة إلى صناعة ومهنة لممارسيها تخضع للعمل المؤسساتي وتحفظ الحقوق وتنمي المواهب من مراحل الدراسة الابتدائية. لا يوجد حالياً أي شيء قريب من ذلك رغم وجود بعض الاجتهادات المتواضعة. هل سمعتم يوماً عن بطولة للمملكة بين المدارس الثانوية أو الجامعات السعودية في أي رياضة ناهيكم عن كرة القدم ذات الشعبية الأضخم؟ أنديتنا ما زالت أندية «أعضاء شرف»، ومسمياتها تدل على أنها شاملة لجميع الرياضات بمعنى أنها أندية لكرة قدم وطائرة وسلة وتنس وحتى ثقافة، ونحن نعرف أن كرة القدم هي المسيطرة على نفقات الأندية وباقي الرياضات و«الثقافة» مجرد ديكور. هناك بالطبع لاعبون وجماهير غير جماهير القدم ويتابعون دوريات الألعاب الأخرى ويشاركون بها لو توفرت الفرص لتنمية هذه الرياضات ككيانات مستقلة عن الأندية القائمة قادرة على استقدام محترفين أجانب لترويج ونشر اللعبة. أتساءل حقيقة ما الذي يمنعنا حتى الآن من فصل هذه الرياضات وتأسيس أندية خاصة لها بمسميات جديدة مملوكة للقطاع الخاص بعيداً عن مسميات الأندية الحالية وألوانها وشعاراتها مع الإبقاء على الأندية الحالية كأندية قدم فقط؟ هذا الإجراء يعتبر جزءاً مهماً جداً وركناً أساسياً في تحول الرياضة إلى صناعة متنوعة. كان يفترض أن يتبع قرار الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- بفتح باب الاحتراف قبل عقود مضت خطوات كثيرة وكبيرة في غاية الأهمية. في طليعتها بالطبع ما أشرت إليه، وهو اعتماد الرياضات وتنظيم مسابقات خاصة بها في المدارس والجامعات ليتخرج منها محترفون متعلمون وليسوا جهلة. منها أيضاً أن لا يتم قبول احتراف أي لاعب دون أن يحصل على شهادة دراسية سواء جامعية أو حتى ثانوية. عمر اللاعب أثناء الممارسة في الملاعب كما نعلم قصير ودون حصوله على الشهادات الدراسية قد يجد نفسه بعد بلوغ منتصف الثلاثينات عاطلاً لا يستطيع الدخول في قطاع مختلف يدعم أسرته. وأخيراً ومن بين العديد من المبادرات الأخرى، تحويل الأندية الحالية وجميع الأندية المستحدثة في الألعاب الأخرى إلى كيانات تجارية، أي «خصخصة الأندية»، ترتبط بجهاز تنظيمي يتكون من انتخاب عدد من ملاك هذه الأندية بالإضافة لأفراد مستقلين في تخصصات أخرى مالية وقانونية. هذا الكيان يفترض أن يصبح هو المسؤول عن كل شيء يتعلق بتنظيم اللعبة ووضع الجدول الموسمي الثابت في كل الأعوام واعتماد الحكام بعد تنمية مهاراتهم، ويتصل ككيان سعودي بالأنظمة السعودية وفنياً بالاتحادات الدولية. يتفاوض هذا الجهاز على النقل الحي وينظم معظم المداخيل المالية التي تشترك بها جميع الأندية. قد يلاحظ الكثير من القراء أنني ببساطة أحاول نقل آليات وأنظمة الرياضة في الولاياتالمتحدة، وهذا صحيح، فنحن لا نرغب في إعادة اختراع العجلة. في تلك الدولة توجد اتحادات عظيمة لكرة السلة وكرة القدم والبيسبول وكرة القدم الأمريكية وغير ذلك. الأجمل هناك أيضاً تحديد موسم لكل رياضة لا يتغير أبداً. كرة القدم الأمريكية على سبيل المثال تبدأ في سبتمبر من كل عام وتنتهي في فبراير، بينما السلة تبدأ في أكتوبر وتنتهي في يونيو، والبيسبول في الصيف وهكذا. جميع هذه الكيانات تتمتع بمعايير واضحة ويشرف عليها اتحادات قوية بأنظمة صارمة ولوائح قانونية واضحة وحوكمة مالية وقانونية تحافظ على النزاهة. توفر هذه العناصر وغيرها هو ما يدفع الجماهير الكبيرة هناك إلى متابعتها، وبالتالي الرفع من قيمتها السوقية وقدرتها على الحصول على التمويل المناسب من المؤسسات المالية في الكثير من الحالات. تبعاً لتنظيم صارم كهذا سينتج عندنا كما هي الحال هناك، خدمات مساندة كثيرة. سيتخرج لدينا حكام أقوياء يحميهم القانون وكيانات إعلامية احترافية تنقل المناسبات ببراعة وتختار أفضل من يملك الإمكانات والكاريزما والمعرفة للنقل والتعليق والتحليل. إدارات تسويقية متطورة وإنتاج سينمائي للدعايات المصاحبة للنقل وخدمات لوجستية كثيرة. الذي متأكد منه شخصياً أننا حتماً سنتخلص من الغثاء الذي يشغل ساعات طويلة من البث حالياً ويسمى زوراً «برامج رياضية» ولا أعمم، وما هي إلا «حفلات» سمجة لا يخرج من معظمها إلا الإثارة البغيضة والحماس الفارغ ونشر الكراهية والعنصرية والبعد عن روح التنافس المنشود. في اعتقادي أن اقرب طريق للبدء ببناء صناعة رياضية احترافية لدينا هو الاستعانة بدور الدراسات المهمة رياضياً هناك وتوظيفها لوضع البناء الأساس لمستقبل الرياضة في المملكة كما نتمناه ونأمل الوصول له. بعد ذلك نختار ما يناسبنا ونقوم بتعديل غير المناسب ونضع الخط الزمني لكل مرحلة بأهداف واضحة. نحن في النهاية ننعم بالمنشآت الكبيرة والمال والشباب والطموح الذي يمكن المملكة من القفز إلى أعلى درجات الإبهار والمتعة ليس على مستوى الإقليم بل العالم. وكنتيجة حتمية سيتطور النمو الاقتصادي الملازم للرياضة وما يتفرع منها من خدمات داعمة ويصبح رافداً اقتصادياً وترفيهياً -سياحياً- في غاية الأهمية. لنتذكر بأننا عندما ننطلق من النقطة التي توقف عندها الآخرون سنختصر المسافات بعقود ونتحاشى الوقوع ما أمكن في الأخطاء وانتظار نتائج تصحيحها مرة بعد أخرى. هل نفعل ذلك «الآن» ونبدأ تدريجياً بتقليص المبالغ المالية الداعمة التي أصبحت تذهب لسداد ديون الأندية الخارجة مبالغها كما يبدو عن السيطرة، عاماً بعد عام؟ هذا ما أتمناه.