قيل: «حينما تكون قيمة الأمة مرتفعة وحضارتها متقدمة يكون التراب غالي القيمة»، قالها مالك بن نبي متحدثاً عن تراب الأوطان.. وأقول: إن الأمر صعب لتعريف الوطن، لأنه مصطلح وجداني يميل إلى العاطفة أكثر من العقلانية، تتخلله خصائص ترتكز على الحب.. إذن؛ كيف يكون الوطن أماناً ورمز هوية للإنسان وتاريخه وفخره وكرامته؟، وكيف يألف الإنسان ويسعد بتراب أحبه بلهفة وشوق وعاطفة؟. •• •• •• حين نُغمِض أجفاننا لنعانق ذرات تراب وطن ناصعة، وحبات رمل أرض ساحرة؛ نتنهد حباً لأرض خصبة مليئة بأزهار موطن نعشقه.. ولما نتذكر ركام ذكريات قديمة؛ نترنم بطربيات ألحان تحمل ترنيمة: «ليس أغلى من أرواحنا إلا الوطن»، فنربح عناق وطن فاتن.. أما عندما يحتضننا الوطن؛ فأعيننا مغلقة وهو يحتضننا، كأننا نغلقها عن العالم لنعرف ماذا تعني لنا الحياة كلوحة مرسومة بإتقان. •• •• •• بين وطن يعطي ومواطن يستوعب؛ هوس علاقة عميقة تجمع إنساناً شفافاً بمكان شفيف، ومعانقة أنيقة لأرض نحمل لها شوقاً واشتياقاً.. وعند تلك الجملة المُذهَّبة الساكنة أفئدتنا وأروحنا: «عانق ترابه» أي: تراب «الوطن»؛ حب تجاوز الحد الطبيعي من مواطن لتراب موطنه.. وفي العلاقة الوجودية بين وطن ومواطن؛ معانقة بإفراط ولاء، ومكونات انتماء، وقوة ارتباط، وتولُّه غائر في باطن الوجدان وبطين القلب. •• •• •• في معانقة تراب الوطن؛ سحر عفوي ونزعة شبقة تضيء عتمة الأيام، وقصة غرام عفيفة، واحتفاء بعشق يترجم الأحاسيس لصور وكلمات.. وفي النوم الهادئ الهانئ داخل وطن يسوده الأمن والسلام والوحدة والوئام؛ اطمئنان للقلوب، واستقرار للنفوس، وترابط بإتلاف، وعطاء وأخذ بعدل.. وفي صبابة بلد؛ عذوبة لم يلوثها شيء، كأحشاء صَدفة يتناثر منها المسك، وتلك هي قِيَم الوطنية للأجيال المتعاقبة سابقاً ولاحقاً. •• •• •• ومن كلام الشاعر أحمد شوقي: «وطني لو شُغِلت بالخلد عنه، نازعتني إليه في الخلد نفسي»؛ ضمان لتاريخ مشرق للأجيال القادمة.. وأولئك الذين يحتفون بذكرى سنوية في مهرجانات خلاَّبة ويتجاهلون الإنتاج والإبداع باقي العام؛ انشغلت سواعدهم عن بناء المكان وتطوير الإنسان.. وإذا كان «حب الوطن» شعوراً داخلياً وجدانياً يحتل كل خلايا الجسد؛ فإنه مشاعر فياضة تثير كل تفكيرنا وتحرك سرائرنا وضمائرنا.