أكثر من 150 أديباً وأديبة التقوا في الطائف، بدعوة من هيئة الأدب والنشر والترجمة وأكاديمية الشعر العربي للحديث عن الأدب واقعاً ومشكلات، كان فيها الدكتور منصور الحارثي وخالد الصامطي ضابطي إيقاع هذا الملتقى، بدأت ندوات الملتقى بدور القطاع غير الربحي في التمكين الثقافي، وكانت التجربتان الأبرز في هذا اللقاء هما تجربتا مركز عبدالرحمن السديري في الجوف، ومنتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف. أما الجلسة الثانية فقد كانت عن الأدب السعودي والآخر، وكان أبرز ما دار في هذا المحور ما أشارت إليه الأكاديمية والكاتبة نورة القحطاني من غياب ترجمة الأدب السعودي عند الآخر وضعف الدراسات الأكاديمية والنقدية للرواية السعودية، فيما أكد الوكيل الأدبي إبراهيم آل سنان أنّ ضعف الترجمة والنشر سببان رئيسان في قلّة ظهور الأدب السعودي للآخر! في الجلسة الثالثة نوقش الشعر العربي، من خلال قراءة في راهن الشعر أو (واقعه) كما رأى بعض الأدباء والمهتمين الحاضرين جلسات هذا الملتقى، تحدث فيها أستاذ الدراسات العليا في الأدب والنقد ماهر الرحيلي عن عودة الشعر العمودي، ذاكراً أسماء شعرية نقلت الشعر السعودي إلى مراتب الجمال كما قال، فيما أكد الأكاديمي والشاعر الدكتور سلطان السبهان، أنّ الشعر السعودي اليوم يعيش مرحلة تدفق ونمو إنتاجي، إلا أنه لم ينفِ تكرار الأفكار، إضافة إلى وجود صراع في الشكل الشعري بين الشعراء، وتصدر قصيدة النثر المشهد، وطالب السبهان بجوائز شعرية تحرك الماء الراكد، مع أهمية إنصاف الشعراء، وتسليط الضوء على تجاربهم الشعرية، فيما طالبت الناقدة والأكاديمية أمل القثامي بأهميّة التعاون بين وزارة الثقافة والشاعر لينتقل الشاعر من الظل إلى الضوء، إضافة إلى أهميّة وجود مبادرات خاصة للشعر والشعراء، والتسويق لهم، وأكدت القثامي أنّ لدينا قصوراً في الترجمة الشعرية التي لم تتجاوز خلال 30 سنة 66 ديواناً! في جلسة الأدب والمجتمع كان الحديث عن تجارب ومبادرات بغية صناعة واقع ثقافي كالمقاهي الثقافية، والقراءة والكتاب، والوكيل الأدبي. ولأنّ المشهد الثقافي لم يعد يرضي عشّاقه، ويجذب مريدين، فقد كان لقاء اليوم الثاني عن تحريك المشهد الأدبي، حيث تحدثت فيه الأكاديمية وأستاذة النقد والأدب المشارك في جامعة جدة الريم الفواز عن الجوائز الأدبية وفضلها الكبير في التغيير، ورفع مستوى الإبداع في الحراك الأدبي، فيما أكدت الأكاديمية في جامعة الملك سعود أمل التميمي أنّ الحراك لا يكون إلا إذا كان الأدب نمط حياة، ونابعاً من ذات البيئة الثقافية، فيما شدد الأستاذ المساعد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الملك عبدالعزيز فيصل الشهراني على أهمية الجوائز، وأشار إلى أهميّة التعريف بأدب الفائز بعد فوزه، ورأى أنّ هذا أهمّ من الجائزة نفسها، إضافة إلى دور المعارك الأدبية في الحراك الأدبي. في الندوة ما قبل الأخيرة عن الرواية السينمائية تحدث الروائي بدر السماري عن العلاقة بين السينما والرواية وأكد أنّ عيش اللحظة السينمائية من خلال الكتاب جميل، إلاّ أنّه لم ينفِ صعوبة تقبل هذا لتحويل رواياته إلى السينما حالياً فهي من وجهة نظره تقتل الرواية، وأضاف: لدينا نقص كبير في المخرجين والمنتجين والمصورين والتقنيين، وهذا النقص له تأثير كبير في نشر الرواية المحلية سينمائيا بشكل مميز. أما الباحث والناقد في الرواية والسينما محمد البشير فقد أكد أنّ النص السينمائي عمل جماعي يحتاج لعشرات المسودات، ما قد يفقد الرواية الحبكة الفردية الخالصة وجمالياتها مستشهداً برواية «العمى».. البشير عرّج على تجربة الكاتب والسيناريست أحمد مراد مؤخراً في السينما. وأضاف: من الممكن أنّ تظلم الرواية بسبب التقييم السينمائي، لأنّ المنتج يهتم بالعائد المادي أكثر من اهتمامه بالعائد الثقافي. آخر ندوات ملتقى الأدباء الثاني كانت عن الحراك النقدي وإثرائه، تحدثت فيها باحثة الدكتوراه في جامعة الملك عبدالعزيز ندى الهتاري، وأستاذ النقد والبلاغة في كلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود سامي العجلان، وأستاذة الدراسات الأدبية والنقدية في جامعة أم القرى سميرة الزهراني، وكان الحديث في هذه الندوة عن تعزيز الحراك النقدي، ووظيفة النقد الأساسية في التمييز بين الأعمال، ورفع الأدب المحلي عالياً، مؤكدين على وجوب صدق الناقد مع الكاتب فيما يكتب، إضافة إلى أهميّة إقبال الناقد على ما يكتب من أعمال إبداعية، كون الناقد هو حلقة الوصل بين الأديب والمجتمع، وكان المتحدثون قد قدموا العديد من الأفكار لتنشيط الحراك النقدي، منها تكثيف الدورات والورش التي تختص بمناهج النقد، وأن تكون تحت مظلة تابعة لمؤسسة أدبية. حساسية الأديب والمثقف من النقد لم يكن المتن الحاضر الوحيد في هذا الملتقى، إذ كان الهامش أكثر ثراء واختلافاً من المتن، فقد كان اللقاء فرصة للأدباء في الحديث عن الساحة الأدبية، وعن الثقافة، وعن الأندية الأدبية، وعن الصحافة الثقافية، وعن الأدباء والمثقفين أنفسهم، وعن الكتاب الورقي، إذ لم تخلُ جلسة جانبيّة من جلسات الملتقى من قضيّة أو حوار، أو رأي يختلف معه المتحاورون، ويتفقون. في واحدة من الجلسات الجانبيّة كان حديث الأدباء عن حساسية الأديب والمثقف من النقد، وأنّ وسائل التواصل الاجتماعي عمقت هذه الحساسيّة، وزادت في نرجسيّة الأديب، إذ بات الأديب منافساً لمشاهير التواصل الاجتماعي الذين يبحثون عن عدد المتابعين، فيما يبحث الأدباء والمثقفون عن «الرتويت» والإعجاب! على طاولة أخرى كان الدكتور محمد المشوح يتحدث عن الكتاب الورقي، وحضوره في معارض الكتب، وأهميّة أن تشارك الأندية الأدبية بما لديها من إصدارات قيّمة في المعارض، ابتداء بمعرض الرياض الدولي للكتاب، وليس انتهاء بمعارض الكتب في الدول العربيّة الأخرى، بدلاً من تكديس الإصدارات في المخازن والمستودعات، وأشاد بتجربة نادي الرياض الأدبي في معرض الكتاب الخيري السنوي. فيما عبّر الأستاذ الدكتور عبدالله عويقل السلمي عن أرشيف نادي جدة الثقافي المرئي، وعن تحويله بشكل كامل إلى CD قابل للنشر والتداول، وإلحاح الحاضرين عليه بإنزاله على قناة اليوتيوب الخاصة بالنادي ليتمكن المهتمون من مشاهدة ومتابعة هذا الأرشيف الثقافي المهمّ والنادر. الدكتور إبراهيم التركي مدير تحرير الشؤون الثقافية في جريدة الجزيرة السابق، تحدث في واحدة من جلسات الهامش عن الملاحق الثقافية، ودورها في الحراك الأدبي، والتزام ثقافة الجزيرة بالنشر لكلّ الأطراف، ما أكسب الملحق - كما قال - صداقة الأدباء والمثقفين وإن اختلفوا في الأفكار والآراء، وأكد أنّ ثقافة الجزيرة نأت بنفسها عن معارك الأدباء والمثقفين، وإن كان لم يسلم على المستوى الشخصي من بعض النيران الثقافية الصديقة! الأستاذ الدكتور ماهر الرحيلي في جلسة من جلسات الهامش أشار إلى لغة التعميم التي طغت على الكتابة في وسائل التواصل، والآراء الحديّة التي يتبناها أدباء ومثقفون تجاه أدباء ومثقفين آخرين تصل درجة الإلغاء في أحايين كثيرة، واستشهد الرحيلي بأسماء إبداعية نختلف حول تجربتها وما تكتب إلا أنّه لا يحق لنا إلغاؤها لمجرد أننا لا نقرأ لهم، أو لا نعجب بما يكتبون! أما محمد الحمد الرئيس السابق لنادي حائل الأدبي، فقد كان جلساؤه يتحدثون معه عن إصدارات نادي حائل الأدبي في الزمن الجميل لرئاسته النادي، كالمجموعة الشعرية لمحمد الثبيتي، وإصدارات جارالله الحميد القصصية، والإصدارات الصوتية التي انفرد بها نادي حائل الأدبي.. الحمد كان يتحدث عن الفكرة التي رحّب بها ابتداء الشاعر محمد العلي وكانت انطلاقة محفّزة لمواصلة هذا العمل. لم يخلُ هامش ملتقى الأدباء الثاني من الشعر والقصّة والحديث في الرواية وإهداءات الكتب، فقد استمعنا لشعراء كعلي النحوي، وحيدر العبدالله، وعبدالوهاب أبو زيد، وشريف بقنة، وأحمد الهلالي، وسامي الثقفي، وباسم الغامدي، والتقينا في قاعة الندوات وعلى طاولة الحوار بنقادنا المعروفين سعد البازعي وسعيد السريحي وروائيينا المهمين في مشهدنا الثقافي كعبده خال ويوسف المحيميد وعواض شاهر العصيمي وآخرين، واستمعنا لهموم المسرحيين في الطائف كعبدالعزيز عسيري وسامي الزهراني ومساعد الزهراني، وحقوق الأدباء والمثقفين التي أسهب في الحديث عنها الباحث والمؤرخ قاسم الرويس. لم يكن ملتقى الأدباء متناً فقط، ولا يجب أن يكون، بل كان هامشاً للأدب، ومتناً لدراسات نقدية ترضي بعضنا، وتغضب بعضنا الآخر. انتخاب الأفكار التي يطرحها الأدباء اجتهدت هيئة الأدب والنشر والترجمة في ملتقيين أدبيين، فقدّمت كلّ شيء، المحاور، وأوراق العمل، واقترحت مقدّمي تلك الأوراق، وكانت النتيجة أن اختلف الأدباء (كعادتهم)على الملتقى ومحاوره، لذلك أقدّم هذا الاقتراح لهيئة الأدب والنشر والترجمة في أن يقترح الأدباء أنفسهم مواضيع الملتقى الثالث، وكلّ ما على الهيئة أن تفتح إحدى منصاتها لاستقبال المقترحات قبل انعقاد الملتقى بعدة أشهر، على أن تشرف الهيئة على تنسيق تلك الاقتراحات، وانتخاب ما يمكن انتخابه من الأفكار التي طرحها الأدباء، فتخرج من رؤيتها التي ربما لا ترضي الأدباء، إلى رؤية الأدباء أنفسهم لعلّها ترضيهم!