يتكشف يوماً بعد آخر، ضلالٌ فاضح، وتزييفٌ بيّن الملامح، ترسمه منظمة تقمصت العفو زيفاً، وارتدت الظلم رداءً، وجعلت ازدواجية المعايير شعاراً لها، حتى أضحت تائهة تتلقفها أوهام المارقين، وزائغة عن الحق تستشهد بها ألسن المفضوحين، وغارقة في وحل التمييز والعنصرية، مؤكدة بأفعالها تناقض مبادئها، وفضائح أعمالها، وغدا الجميع يعرف أن «منظمة العفو الدولية» ليست سوى عين زائغة لا تبصر إلا بنظارة سوداء. سلسلة طويلة من الفظائع والأكاذيب، كانت عنواناً بارزاً لأجندة هذه المنظمة، وأنشطتها المضللة تحت شعارات حقوق الإنسان الزائفة منذ عقود، فالوقائع فضحت ممارساتها العنصرية ضد بعض موظفيها، وخصوصاً من ذوي البشرة السوداء أو المنتمين لبعض الأقليات العرقية، لتؤكد أن جميع ما تنادي به المنظمة من مبادئ وقيم ليس إلا حبراً على ورق، ولا أدل على ذلك سوى آخر ممارساتها التي كشفها تحقيق نشرته صحيفة ذي إندبيندنت البريطانية للكاتب نادين وايت، بشأن تفشي العنصرية والممارسات التمييزية، التي دفعت باثنين من موظفيها إلى الانتحار، نتيجة تعرضهما لضغوط هائلة في العمل مرتبطة بسوء إدارة المنظمة، تُسقط آخر ورقات التوت عن سوءة المنظمة وأجندتها المشبوهة. فضيحة مدوية ارتد صداها في كل آفاق الإنسانية، كشفتها الصحيفة في تحقيقها المنشور لتعصف بالمنظمة المتلبسة بالعفو وهو منها براء، مؤكدة أن المنظمة ومثيلاتها من المنظمات الأخرى ترتهن بأجندات سياسية لا علاقة لها بمبادئ وقيم حقوق الإنسان، وأن جميع مواقفها مدفوعة بأجندات سياسية بعيدة كل البعد عما تتبناه في خطاباتها الإعلامية. ويعتبر التقرير رداً قاطعاً على كل ما تتشدق به منظمة العفو الدولية في مواضيع حقوق الإنسان، على نحو أظهر تناقضاتها المقيتة التي تورطت فيها حيال التمييز العرقي والعنصرية ضد الموظفين الآسيويين وأصحاب البشرة السوداء، ولم يقتصر الأمر على ذلك في سوء المعاملة، بل انعكس سلبا على معدلات توظيف تلك الأقليات. «مشروعية ساقطة» هي السمة الأحق للسياسات التمييزية والعنصرية للمنظمة المأفونة، وهي العنوان الأحق لجميع بياناتها السابقة وأية بيانات لاحقة عن حالة حقوق الإنسان في أي من البلدان التي تستهدفها بتقاريرها، بعد ثبوت غرقها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان طالت العاملين بداخلها على نحو يُذكِّر بعصور الظلام الوسطى التي عاشتها أوروبا لعقود طويلة. ولأن المتفكر الطبيعي يدرك ما أثبته التقرير بأن التمييز العرقي والتنمر والوحشية وعقلية «المُخلّص الأبيض» متفشية في المنظمة الحائزة على جوائز بشأن حقوق الإنسان، وأن المنظمة في المملكة المتحدة «عنصرية على المستوى المؤسسي»، و«استعمارية»، وتواجه مشكلات تنمر داخل صفوفها، لذا فنتائج الأولية للتحقيق المستقل لمنظمة «HPO Global» حول منظمة العفو الدولية المنشور في أبريل لم تكن مستغربة، في حين تم في الوقت الحالي كشف حجم المشكلات العرقية في المنظمة في التقرير النهائي، وتم إرسال الوثيقة المكونة من 106 صفحات لموظفي منظمة العفو الدولية يوم الخميس، التي توضح أن المساواة والإدماج ومناهضة العنصرية «ليست جزءا من تركيبة المنظمة». ووفق التقرير، كانت مصطلحات «المنقذ الأبيض» و«المستعمر» و«الطبقة الوسطى» و«المحظوظ» هي الأكثر استخداماً للحديث عن منظمة العفو خلال الشهادات ومجموعات التركيز. وقد وُجد أن التنوع يمثل مشكلة كبيرة داخل منظمة العفو الدولية، حيث من المرجح أن يحظى المتقدمون البيض بنسبة قبول أعلى في مناصب المؤسسة مقارنة بالمجموعات الأخرى، فيما يُعد قبول الأشخاص من أصحاب البشرة السوداء للوظائف هو الأقل مُقارنة بالأعراق الأخرى. وفي وقت تتعدى تجاوزات منظمة العفو الدولية المنطق الإنساني، أشار التحقيق إلى بعض الأمثلة التي تجسد عنصرية المنظمة التي أثرت سلبا على الموظفين من أصحاب البشرة السوداء والآسيويين، ومن بينها، الخلط بين الموظف وبين زملاء آخرين ممن لديهم لون البشرة نفسه، تعليقات سلبية عن الصيام في شهر رمضان، التعامل مع أصحاب البشرة السوداء ومظهرهم كأشياء غير طبيعية ولمس شعرهم دون الحصول على موافقة، إضافة إلى تعليقات فظة حول المشاهير أو السياسيين أو الأحداث التي تنتمي إليها الأقليات. ووجد التحقيق أن عقلية «المنقذ الأبيض» و«المحظوظين» هي تصوّرٌ يشكل جزءاً مهماً من رواية منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة حول تاريخها وإرثها. وأضاف: «هذا التصور لم تتم معالجته، وبالتالي فإنه يتجلى في النموذج الثقافي السلبي للإقصاء والعنصرية في منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة، وهناك حاجة للاعتراف بتأثير هذا الإرث ومعالجته كجزء من الانتقال إلى مناهضة العنصرية». وتشمل توصيات التحسين الامتناع عن تجميع بيانات التنوع في مجموعة واحدة متجانسة من أصحاب البشرة السوداء والآسيويين والأقليات العرقية، وتوفير التدريب لتحسين مراقبة المساواة. وأشار التحقيق إلى ضرورة إيلاء اهتمام خاص بالموظفين الأفارقة والكاريبيين من أصحاب البشرة السوداء وحمايتهم، حيث تتلقى هذه المجموعات أسوأ معاملة داخل منظمة العفو الدولية. وختاما، ينطبق على قيادة المنظمة المثل القائل «وشهد شاهد من أهلها»، إذ اعترف الرئيس التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة ساشا ديشموخ، بما ورد في تحقيق صحيفة ذي إندبيندنت البريطانية، قائلاً: «من الأهمية بمكان أن نعترف خلال التغيير الذي نحتاج إلى إجرائه في منظمة العفو بالمملكة المتحدة، بأن هذا التقرير يوضح حجم التحول الذي يجب أن نقوم به لتغيير الكثير بشأن المنظمة في المملكة المتحدة كمكانٍ للعمل». وأضاف: «لقد ساعدتنا منظمة (HPO Global) في تحديد المجالات التي يجب أن نقوم فيها بالتغييرات، ولن نخجل من القيام بهذا العمل، خصوصا أنه من الواضح أننا تأخرنا في القيام بذلك». وأي تغيير يمكن أن يكون بعد التأخير؟ هل ستُمحي الأيام من ذاكرة الإنسانية الفظائع المثبتة على المنظمة؟ أم أن التغيير سيكون باباً جديدا لفضائح أخرى؟ وهل ستنزع المنظمة عن ناظريها النظارة السوداء؟ أم أنها هي في الأساس تعمي عينيها عن الحق؟.