ما أنجب العريفة؛ إلا (زينة) وحين كانت أمها حاملاً بها؛ في الشهر الثامن؛ جاءتها (العرّافة) وقالت؛ في بطنك بنت حظها أكبر من عمرها، وخططت في التراب؛ وأقسمت أن في طريقها ؛ ثلاثة؛ واحد تشناه، وواحد تهواه، وواحد يا ويله منها ويلاه. بلغت (زينة) سنّ الزواج، وعاد (زاهب) معاون سواقين الشاحنات، وخطبها، وزنّد أبوها بريالات فرانسي، وكسّى أمها من الغالي، وخلال شهر كانت حليلته، ولم تمض أربعة أعوام؛ حتى كان بيته؛ يرحى بالسُّفان. رجع (زاهب) لمهنة السفر، والترحال من بلد لبلد، وفي سهرة مشؤومة؛ دقه واحد من السواقين بكلام، فعاد في ليلة ظلماء؛ ليسبر الجُرة، ويرقب الحُرّة، ومع اقتراب الفجر، طرق عليها باب البيت، ففتَحت؛ وقالت؛ لا تدخل عندي رجّال، فقال؛ تراك من ذيك لذيك! فإذا أبوها خارج بإبريقه ليطهر. سالت ريقة الخُطّاب، وزينة ما هي بنت لاش، وأمها سيدة معاش وفراش، والعريفة ما يفتي بها الذكر، ولا يرد لها طلب، ولا يأخذ إلا بشورها المُثمر، وركز الفقيه والمؤذن عيونهم عليها، فكل واحد منهما له ابن محقيّة الزواج، ونسب العريفة ينشرى. ختم الفقيه صلاة العصر، واستدار بوجهه؛ للمصلين؛ وفتح كفيه للتسبيح، وكان ينغّم في الأذكار، ويخفض الصوت، ويرفعه كعادته؛ مدرجاً عينيه، في المؤذن والعريفة، المتربعين في الصف الأول، قال العريفة؛ ورا تسبيحك علوم؛ فبغى يقوم المؤذن لينصرف، فأشار له بكفه؛ ليقعد؛ فقال العريفة؛ أظن الفقيه يبغيك في هرجة خلك معه؛ وأنا باقفي أزور أختي وأشرب عندها دلة. اقترب الفقيه من المؤذن؛ وقال من صدقكم بتخطبون لولدك (باحان) بنت العريفة، فردّ المؤذن؛ وش فيها إذا له نصيب فما يتزوج اثنان في الأرض لين يزوجهم ربي في السما؛ وأضاف؛ وإلا بتعيّبها عشانها أبت، من ولدك (ساحان)، فقال الفقيه؛ ما أبت؛ باقي يشاورون؛ وأنا ناصح؛ اختاروا لكم أرحام من قيسكم، وخذ لولدك بنت رجل مستور حال؛ إذا دخلت عليه المجلس قام لك، وأجلسك مكانه؛ بدل ما تأخذ بنت واحد تقوم له؛ ويقعد مكانك، ولا تنسى بنت العريفة راجع، وما تقول للراعد يا كريم. عاد المؤذن للبيت، وإذا بباحان، يشوّط ذرة على منقل فوق الجناح؛ فقال؛ ما ودك تروح من الشمس؛ سيّحت دماغك، والدماغ من أوّل غلّه؟ قال؛ طلبني العريفة أشوّط له حبّ حاج، فتساءل؛ العريفة؛ وإلا أم (زينة)؟ عساك ما تزين لانت ولا هي، فقال الابن؛ لا يكون الفقيه حشى رأسك عليّه؟ اقترب منه، واستقعد بجنبه، وقال؛ يا ولدي أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة، وأنت شابّ وعلى فالك، وطلابتك عشرات، دخيلك فكّنا من الخطّ المعلّق،، فقال (باحان) هويّه؛ قال؛ أحليه؛ فقال الولد؛ اسمع يابه؛ فرد حمزة ثاير ثاير، فعلّق الأب؛ يا حليلك بالحُليل.. ترى اللي ماله شوير شويره الشيطان. تركه يشوّط، وتناول الجنبيّة، وبدأ يلمعها بالصِفر، ويرفع نصلها ويقلبها شمال يمين؛ مردداً بينه وبين نفسه؛ ما معي إلا أرهنها إن كان صمم (باحان) على ما في رأسه، بيّتوا ليلتهم، وأصبحوا؛ صبّ له فنجال قشر، وقال؛ طلبتك؛ نأخذ لك واحدة من حوبك، وعلى قدّنا، سهل نشيلهم ويشيلونا، العريفة إن مِلنا عليه حملنا، وإن مال علينا دهكنا، فأقسم ما يحلّ له من النسوان؛ إلا زينة، وبدأ يقصّد (ألا يا بندقة في الريع تحجل حجول؛ ما دخل في ميازرها من المُشط معبر؛ باشتريها ولو بالثوب والقُبّعة)، فقال الأب؛ بندقتك كانت مع مفكك كفرات الشاحنات، أغداها شعايب عرفة. عرف الفقيه، أن المؤذن؛ رهن جنبيّته، ليتسلّف؛ مهراً وقِرى لزواج (باحان)، فأقسم ما تحل لولد المؤذن، ورأسه يشم الهوا؛ وحميت المنافسة؛ فما خلّى ورا جهده جهد، وما يمر يوم؛ إلا وزنابيل وقفاف؛ طالعة بالعطايا لبيت العريفة. قطف (باحان) ثمار رمان كان أبوه مدرّق عليها بعشب، وعبّى حثله، وعلى أوّله، قفر أبوه الشجرة، وافتقد كل حبّة كانت عينه عليها، فقال اعقب الله يعطب إيدك، هذا وأنت باقي معلّق بين السفل والعُليّه، وأقسم لأم باحان؛ ما تعطي أم زينة بنتها؛ للساقط الباقط؛ ما غير ودها تتكفى به، وتغديه كما المارعة في أعلى الحلّة لاهي مرق ولا هي سمن... تفرّغ الفقيه وابنه؛ لنقل الأحمال على حمارتهم، يرحلون الدمنة، ويروحون القصيل، ويحرثون البلاد؛ وكل واحد منهم يحامي وينامي، وأم زينة؛ كل ما بدى عليها واحد منهم، دسّت البنت عنه، وقالت؛ حلفت ما تشوف وجهها لين تتأكد أنك شاريها، ومن حرص الفقيه على زواج ابنه من زينة؛ كل يوم يمد لأمها بلُبزة تمر من الحشيّة، ملفوف داخلها حجاب عطف وصرف. تحولّت المنافسة إلى صراع، وانقطع السلام والكلام؛ بين الفقيه والمؤذن؛ واحتدّ (ساحان) على (باحان)، وأقسم له ما يفرح بها، وما يفك عنها يكون تنفك إذنه من جنب صفحه، فقال (باحان)؛ خابرك يا الممغوص حسود؛ من يوم ثوبك مشبوك في قُبعك؛ والذبان لاصقة فوق سيول الهرهورة، وكادا يتشابكان، إلا أن العريفة؛ قطع النزاع؛ وقال؛ تدرون يا الفحول؛ تطارحوا قدامي؛ واللي يطرح الثاني، فهو عريس زينة. تعتور فيه (باحان) يبغي يزعزع قدمه من الحيلة؛ ما تزحزحت، وإذا به يشتلّه ويخبط به؛ ويبرك فوقه، فانطلق باحان للبيت؛ ودخل الشقيق؛ يدوّر بندق جده؛ فقال أبوه؛ باقي لك وجه بعدما سدحك قدام زينة وأهلها؛ فقال؛ ختلني وأخذ الدُخلتين؛ فقال الأب؛ وط البندقة، وأعلف البقرة من الصندقة؛ والليلة ترى عشانا عند العريفة، رجّع زينة لزاهب؛ فتساءل (باحان)؛ وطردنا وشقانا؟ قال الأب؛ إنت عقلك مهلبيّة ما بعد جمد.