غيّرت وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، طرق التواصل بين الناس بأكثر ما يمكن تخيله، وعلى الرغم من تغيير المواقع والوسائل عمليات التواصل إلى شكل أسرع وأدق وأكثر مرونة لكافة شرائح المجتمع، إلا أنها أصبحت تمثل خطراً وبعبعاً حقيقياً على الأطفال والصغار والمراهقين؛ وفق ما أكده مختصون في علم النفس ل«عكاظ»، خصوصاً في حال استخدام تلك الوسائل بشكل مفرط أقرب إلى الإدمان، وجدد المختصون، التأكيد أن وسائل التواصل الاجتماعي أضحت سلاحا ذا حدين حتى ولو كانت هناك متعة وترفيه للطفل لبعض الوقت.. فالأطفال الذين يقضون وقتًا أطول على منصات التواصل والأجهزة اللوحية الذكية يشعرون بالعزلة وشعورهم بذلك قد يشجعهم على ما يطلق عليه فرط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. هل هم سعداء؟ هل استخدام أطفالنا لمواقع التواصل الاجتماعي يجعلهم غير سعداء؟ يجيب على ذلك الأستاذ المشارك في علم النفس الإكلينيكي الدكتور أحمد عمرو عبدالله، ويرى أن هذه القضية تستحق من الجميع نظرة جادة متعمقة حول كيفية تأثير منصات التواصل بشكل سلبي على الأطفال والمراهقين. إذ غيرت التطورات التقنية التي تحققت في العقد الماضي الطرق التي نتواصل بها اجتماعياً أسرع مما نتخيل. وعلى الرغم من مزايا المنصات التي جعلت من عملية التواصل أسرع وأكثر مرونة، لكن إذا كان الاستخدام مفرطاً، رغم متعته، له جوانبه المظلمة، فهو سلاح ذو حدين، فالاكتئاب أصبح أكثر شيوعاً بين الأطفال والمراهقين في الوقت الذي يزيد فيه استخدامهم لمواقع التواصل بشكل خاص والإنترنت بشكل عام، ومن الصعب الجزم بأن هذه المواقع تسبب الاكتئاب بشكل مباشر، لكن على الأقل قد تكون أحد العوامل التي تساعد في الإصابة به. وطبقاً للدكتور أحمد عمرو، هناك نوعان من الدوافع الاجتماعية وراء استخدام الأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي إما للتعزيز الاجتماعي أو التعويض الاجتماعي، فإذا كان الاستخدام بنية التعزيز الاجتماعي فلا ضرر في ذلك، إذ يتم الاستخدام في هذه الحالة كفرصة إضافية للتفاعل مع الآخرين، وإذا كان الاستخدام بنية التعويض الاجتماعي يكون الاستخدام هنا معززا للقلق الاجتماعي ولبعض مظاهر الاكتئاب، لأن الطفل حينها يستخدم مواقع التواصل لتعويض النقص في المهارات الاجتماعية أو عدم الراحة في مواقف التفاعل الواقعي أو المواجهة وجها لوجه. بما أن التواصل مع الأقران افتراضياً أقل إشباعاً عاطفياً مقارنة بالتواصل الواقعي، فلا نستغرب عندما نجد أن الأطفال الذين يقضون وقتاً أطول على وسائل التواصل الاجتماعي يشعرون بالعزلة، أو أن شعورهم بالعزلة قد يشجعهم على فرط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. لماذا يهربون من الواقع؟ الأخصائي النفسي صالح بن فارس، أوضح من جانبه، أن مواقع التواصل الاجتماعي تُعد سلاحا ذا حدين؛ فإما أن تمدك بالسعادة والمال أو أن تتركك في دوامة الاضطرابات النفسية كالاكتئاب وزيادة الطاقات السلبية من ردود الأفعال أو التهميش وعدم الرغبة في التفاعل مع ما ينشره الطفل عبر حسابه. وأضاف أنه عندما يحاول الطفل الهروب من علاقاته الاجتماعية المحدودة حالماً بتكوين علاقات أكثر مصداقية وكرماً معه ويصطدم بواقع مختلف قد يجعله يدخل في اكتئاب يتركه يائساً من حلم كان يراه منقذاً لواقعه غير الجيد. ويشير صالح إلى أن كثرة البقاء على مواقع التواصل الاجتماعي قد تصيب الطفل بالملل والعزلة وعدم الرغبة في الخروج ومشاركة الأهل والأقارب أو أصدقاء المدرسة والجيران، إذ تسيطر عليه هذه المواقع وتتحكم في مزاجه، وعلى الوالدين تقنين عملية البقاء على مواقع التواصل الإلكتروني والقرب من الأبناء للحيلولة دون أي تأثر سلبي قد يحدث من خلال هذه المواقع وكذلك إفهام الطفل بمتابعة ما يتناسب مع عمره وقدراته وهواياته وطموحاته. عزلة عن الواقع.. ما الحل؟ الأخصائي النفسي عبدالكريم فلاح، أكد أن قضاء الأطفال وقتا أطول في وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون سببا مباشرا للاكتئاب؛ لأن الطفل يصبح في عزلة عن واقعه الاجتماعي إلى واقع افتراضي يعيش فيه نوعا من السعادة المؤقتة والتي غالباً ما تنعكس عليه بالسلبية، وأشار إلى أن هذا لا يعني بأن يحرم الأطفال من وسائل التواصل لأنها تقنية حديثة ويجب تقنين ذلك ما أمكن بإشراف الوالدين، وعدم ترك الأطفال بمفردهم لساعات أطول، خصوصا بأن بعض وسائل التواصل الاجتماعي ليس لديها تحكم في بعض الإعلانات غير الجيدة، وبيّن عبدالكريم بأن اكتئاب الأطفال موجود قبل وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن هنالك ازدياد ملحوظ ولكن ليس بالشكل الذي يمكن أن نطلق عليه ظاهرة. أنت قدوة.. اترك الجوال قليلاً ينصح الدكتور عمرو، الآباء والأمهات، بالاستماع إلى الطفل والإنصات إليه، بدلاً من توجيهه فقط إلى ما يجب فعله وما لا يجب فعله. يمكنك البدء بسؤال طفلك عن آرائه ومشاعره. خصص وقتاً للتأكد من أنك منخرط تماماً مع طفلك وتستمع إليه، اترك هاتفك الجوال ومواقع التواصل الاجتماعي بعيداً عنك، وكن عنصرا فعالا في تربية طفلك. لأنك قدوته وأكثر النماذج التي يحاول طفلك تقليدها فقد تكون السبب الأول في استخدامه المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي دون أن تدري، خاصة عندما يرى التناقض بين ما تفعله وما تطلب أن يقوم به، سيكون من الصعب إقناعه وقتها بترشيد استخدامه أو منعه. فمن المهم أن تتعامل مع هاتفك بالطريقة التي تحب أن يعامل طفلك بها هاتفه. بديل اللعب والمواجهة يبين الدكتور احمد عمرو، أن مواقع التواصل الاجتماعي قد تلعب الدور البديل للعب والترفيه والأنشطة التي يمكن للمواقع أن تعيقها أو تقلل منها دون وعي الآباء. فبإمكانها أن تقطع الوقت الذي يقضيه الأطفال في الأنشطة التي تجعلهم يشعرون بالرضا، مثل التمارين والهوايات، وحتى استذكار الدروس. فبدلاً من أن يقوم الطفل بنشاطاته اليومية مع أسرته وأصدقائه، يقوم بها بمفرده على المواقع ولا نلوم الطفل حينها عندما نجده حبيس غرفته، ويعد ذلك أحد أكبر الاختلافات في حياة أطفال الجيل الحالي مقارنة بالأجيال السابقة، إذ يقضون وقتًا أقل بكثير في التواصل مع أقرانهم واقعيًا ووقتًا أطول في التواصل إلكترونيًا. فيعد كل من زيادة ساعات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والتعلق والالتصاق بالألعاب الإلكترونية بطريقة ملفتة للنظر أحد عوامل الخطر للإصابة باكتئاب الطفولة. فالإفراط في استخدام المواقع الإلكترونية أحد أهم المنبئات بالاكتئاب والوحدة النفسية وانخفاض التفاعل الاجتماعي بين الأطفال. اكتئاب الفيسبوك! يشير الدكتور أحمد عمرو إلى أن أغلب الدراسات أظهرت بأن كثيراً من الأطفال والمراهقين من مستخدمي مواقع التواصل الإلكترونية هم الأكثر عرضه للتنمر الإلكتروني وتقدير ذات سلبي، وعدم الرضا عن وزنهم ومظهرهم، بالإضافة لمشكلات النوم خصوصا الأرق والنوم المتقطع. وأشارت نتائج الدراسات بشكل عام إلى أن الإفراط في استخدام مواقع التواصل أحد أهم المنبئات بالاكتئاب والوحدة النفسية وانخفاض التفاعل الاجتماعي، وافترض الباحثون ظاهرة جديدة تسمى «اكتئاب الفيسبوك Facebook depression»، تعرف بأنها الاكتئاب الذي يتطور عندما يقضي الأطفال والمراهقون قدرا كبيرا من الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر»، وبعد ذلك تبدأ تظهر عليهم أعراض كلاسيكية للاكتئاب. والأطفال الذين يعانون من اكتئاب الفيسبوك، عرضة لخطر العزلة الاجتماعية وفي بعض الأحيان ينتقلون إلى مواقع الإنترنت الخطرة والمدونات لطلب المساعدة والتي قد تعزز إساءة استخدام المواد النفسية والممارسات الجنسية غير الآمنة، أو السلوك العدواني أو سلوك التدمير الذاتي Self-destructive behaviors. إدمان السيلفي! يرى الأستاذ المشارك في علم النفس الإكلينيكي الدكتور أحمد عمرو عبدالله، أن ضغوط الأقران وتأثيرهم على الأطفال والمراهقين يجعل من الصعب عليهم الابتعاد عن مواقع التواصل الإلكتروني، حتى لو كانت المواقع تؤثر عليهم سلباً. بل يدخل الأطفال والمراهقون في حالة من التنافس في أكثر المشاركات والمنشورات أعجاباً، يتخطى الأمر كل ذلك إلى إدمان الصور الذاتية (السيلفي) ما يؤثر بالطبع هذا الانشغال غير الطبيعي على الحالة المزاجية فيجعلها أكثر تقلباً، فيصبح الطفل أكثر سعادة وامتنانا من منشور أو رسالة عبر مواقع التواصل، ولا يمضي كثير من الوقت إلا ويتغير مزاجه إلى الأسوأ بمنشور ورسالة أخرى. فحالة المقارنة الاجتماعية في هذه المواقع لا تفرق بين طفل أو راشد، من خلال مقارنة الذات مع الآخرين الذي قد يعتبرهم الطفل أفضل أو أكثر نجاحاً منه. إذ نجحت مواقع التواصل الاجتماعي في ترويج صور النجاح والثروة والترفيه للغير، الأمر الذي يجعل الطفل عرضة لمشاهدة مواقف الترفيه والتعزيز واللعب والمرح الذي يفتقده.