مثل حلمٍ غريب الملامح يتركك تائهاً بين الصحو والنوم، بين اليقظة والسبات، بين الحقيقة والخيال، تتعدد صوره وأشكاله وتهيمن على وعيك منذ حدوث الفاجعة، لكنك تحاول السيطرة على جوارحك وعواطفك وتتسلح بالإيمان واليقين وتردد بصوت خاشع غارق بالدموع إنا لله وإنا إليه راجعون.. لكنك تعود وكأنك تنفي وتكذب الخبر ثم تتوسل لمن حولك لعلها على قيد الحياة تدرك أن الفقد حدث وأن الغياب صار حقيقة وأن العين لتدمع وأن القلب ليحزن وإنه صار مسكوناً باللوعة مسكوناً بالغياب. وتنتابك حالات من الأسئلة أثناء النوم وتستيقظ مذعوراً تبحث عنها وعن صوتها وعن ملامحها وعن ذلك النور يضيء منها وعن سجادة صلاة تركت فيها رائحتها الحانية.. رحلت أمي صاحبة القلب الكبير -يرحمها الله- قبل أيام فائتة في منتصف الشهر الفضيل مؤمنة صائمة صابرة محتسبة مبتهلة لله عز وجل، وهي سيدة التضحيات منذ رحيل والدي عنّا -يرحمه الله- قبل خمسة وثلاثين عاماً، فهي كانت أم الأيتام ووالدة الجميع، باذلة الخير والعطاء، توزع الحب والعطف والحنان بالتساوي، وتنثر نفحات المحبة لكل الأقارب والجيران والأصدقاء، لم تكن -يرحمها الله- إنسانة عادية بل كانت نموذجاً ومضرباً للمثل في محيطنا الاجتماعي. رحلت وهي التي كانت في مناجاة دائمة مع الله ودعوات خالصة تشيد جسراً باتجاه السماء، وكل العزاء أنها وفدت على رب رحيم وسعت رحمته كل شيء. لكن الفقد سيظل غائراً يترك ندوبه في القلب نزيفاً وبكاء خفياً. رحم الله فقيدتنا الغالية وأسكنها فسيح جناته، ورحم الله من رحلوا عنا إنه سميع مجيب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.