في المحاضرة الأخيرة من إحدى المواد إبان التخرج من الجامعة وقبل الاختبارات النهائية. أسدى الدكتور -الذي كُنت استثقل أسلوبه الفض مع طلابه- نصيحة خالدة لنا، لم أنسَ وقع كلماته ونصيحته التي أحسست آنذاك أنها منهج يُعتد به في مسيرة الإنسان العملية. لقد ذكر الآتي: أعزائي الطلبة هذه المحاضرة الأخيرة لكم، ومن ثم ستأخذون الخطى الأولى للمرحلة الأطول في حياتكم وهي بناء مسيرتكم المهنية. سأقول لكم هذه النصيحة من أرض الواقع ومن خلال تجربتي.. في هذا العالم الشاسع والمترامي الأطراف وفي عوالم المِهن والأعمال.. (لا أحد يعرف من أنت). لا أحد يعرف قيمتك إلا عندما تسوق ذاتك وأعمالك في مجالك المهني. حسناً يبدو أن هذه النصيحة أتت كالغيث المدرار بعد أشهر عجاف مقفرات مع تلك المادة. أعتبر أن تلك النصيحة جوهرية في مدلولها، لأني استشفّيت من أصدقائي الذي يعملون في مجالات متعددة، أحدها الطب كمثال.. بأن هنالك العديد من الأطباء أصحاب علم وأداء فائق وسيرهم الذاتية مليئة بالإنجازات، ولكن سمعتهم في المجال ليست ذائعة الصيت، بينما في المقابل هناك من أندادهم الأطباء من يمتلكون سيراً ذاتية أقل من ناحية الإنجازات ولكن أسماؤهم تتردد بكثرة بين الناس وفي مجالاتهم التي يتقنونها بسبب جهودهم في التسويق عن ذواتهم -بافتراض أن الفئتين على قدر عالٍ من الكفاءة والمهنية- والنتيجة نجاح أكبر وسمعة أوثق للفئة الثانية. هؤلاء من النوع الثاني قد فهموا قواعد اللعبة جيداً. فالعصر الراهن يتطلب من الإنسان أن يبرز فاعليته في مجال معين حتى يستطيع أن يعرّف الناس بما يتقن. أي أن مهمة التعريف عن نفسك لدى الأخرين، هي مسؤولية تقع على عاتقك. لا أحد سيأخذ بزمام المبادرة ويشرع في البحث عنك. صدقني إذا كنت ممن يتقنون عملهم جيداً واستطعت أن تصل إلى الآخرين وتخبرهم من أنت، وما الذي تستطيع إتقانه، فأنت تزيد من رقعة النجاح وتمهد الطريق أمامك إلى سيره مهنية أفضل. يستطيع المرء اليوم، أن يسوق ذاته أو ما يدعى ب«Self-Marketing» من خلال التطبيقات المهنية الذكية كتطبيق «Linked in». أو عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. الأغلب منا قد سمع مؤخراً عن بعض الأطباء الناجحين الذين امتلأت الحجوزات لديهم لسنوات قادمة. أعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت رافداً داعماً وقوياً لتسويق أنفسهم. إحدى السبل الفعالة في تسويق الذات هي المشاركة في المؤتمرات، والأعمال التطوعية في نفس المجال، وأيضاً الاحتكاك المباشر مع الأشخاص المتميزين والأكثر خبرة في ذلك المجال، حيث لا يتطلب التسويق أن يكون رقمياً أو الكترونياً فقط، بل عن طريق الانخراط والتفاعل مع الزملاء والأقران. تسويق الذات ليس ضرباً من ضروب المبالغة ومدحاً غير مستحق، بل على النقيض تماماً هو اعتداد بالنفس وثقة، ما حصل في قصة سيدنا يوسف عليه السلام خير مثال، لقد أحاط علماً بقدراته في إدارة الخزائن حيث قال لعزيز مصر (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم). من باب الإنصاف يجب أن لا ننتقد الأشخاص أصحاب الكفاءة الذين لا يسوقون أنفسهم كثيراً لأنهم قد اختاروا أسلوب حياة خاصاً بهم بعيداً عن الأضواء، وقد يكونون ممن لديهم جودة عالية في أدائهم ومهنهم، ولكن أردت الإشارة لإحدى السبل الفعالة لصنع مسيرة مهنية أفضل.