كأي مشروع ثقافي وطني، يعلّق عليه النُخب، تطلعاتهم، ولدت جمعية الفلسفة، ضمن مبادرات المجتمع المدني، وتأسس مجلس إدارتها، ولأنها مرتبطة مكانياً بالعاصمة الرياض، لم يلمس المتابعون لنشاطها حراكاً فاعلاً في المناطق، أسوة بالجمعيات الوليدة، المعنية ببذر نواة في كل منطقة، وإقامة فعاليات دورية، وعقد ندوات في الجامعات، وربما كان لتداعيات كورونا أثر في تعطيل بعض البرامج المعدة سلفاً، وبحكم مرور عام وأشهر على التأسيس وثمانية أشهر منذ الانطلاق الفعلي، تنثر الجمعية كشف حسابها بين يدي المنتمين والمحايدين لنرى ماذا حققت وبماذا أخفقت. ويؤكد رئيس الجمعية الدكتور عبدالله المطيري، ثقته بسيرورة الجمعية نحو غاياتها المرسومة، موضحاً إنجازها 7 مشاريع، رغم كونها جمعية ناشئة إلا أنها تسير في الطريق الصحيح كما قال. وكشف المطيري عن اكتناف إجراءات الجمعية ما يكتنف رصيفاتها من بيروقراطية فتح الحساب البنكي الذي استغرق ما يقارب 4 أشهر إضافةً للمتطلبات القانونية للفعاليات ومرجعيتها وزارتا الموارد والثقافة. ويعبّر نائب رئيس الجمعية شايع الوقيان، عن رضاه تمام الرضى عما تحقق في 8 أشهر. رغم الصعوبات التي واجهت المشروع، إلا أنه يؤكد تحقيق الأهداف التي تم وضعها لعام 2021. وهم الآن بصدد تنفيذ أهداف هذا العام. وتساءل الباحث الفلسفي الدكتور جاسم العلوي: ماذا على الجمعية السعودية للفلسفة أن تفعل وسط زوابع الأفكار والإشكاليات؟ ماذا ستقدم لإنسان الحاضر، ولأجيال المستقبل، وسط سعار الأفكار والأيديولوجيات والتساؤلات؟ مجيياً: فرحنا أشد ما يكون الفرح بولادتها، نتابع باهتمام برامجها. وإن كان المؤسسون لها مدركون لخطورة مشروعها وأهميته، فإن حرصنا عليها يستدعي التنبيه على أن مشروعها ربما يسقط إذا كان بلا خطة بعيدة المدى، خطة لا تستهدف النخبة فقط بل يمتد مشروعها للمجتمع بأكمله. وحذّر من أن تجعل من نفسها ناديا مغلقا يمارس فيه النخبة تمرينا عقليا. فمن السهل عليها أن تحصر مشروعها في النخبة، نخبة يتحدثون لبعضهم بعضا وينغلقون على أنفسهم ليجتروا فلسفات هيدغر وسارتر وفوكو ودريدا وهي مشاريع تخلى عنها الغرب منذ زمن. وأضاف: استيقظنا متأخرين لنجد أنفسنا عطاشى لأفكار أكل عليها الدهر وشرب. فهذا يتحدث عن عبقرية هيدغر وذاك يشيد بميشيل فوكو، لينالوا التصفيق وأوسمة المفكرين. ولا أود أن أنتقص من أحد ابدا، كل تلك القراءات جيدة ولكن حذارِ من أن تكون انبهارا واجترارا ولا تكون قراءة نقدية، تستثير العقل، وتحرك مكامن القوة فيه، وتستحثه ليبدع ويكتشف حلولا للمشكلات، تحليلا وتركيبا. ولفت العلوي إلى أن من الواجب الوطني والقومي حفاظا على قيمنا، حفاظا على العقل والمسجد معا، ليمتد مشروع نداء العقل هذا ليطال المجتمع بأسره. ويستهدف بناء الانسان وإعداده لمشروع نهضوي، بنشر الوعي فيه، باستنهاضه للتفكير في مشكلاته، وتسليحه بسلاح النقد. وأن يكون هدف الجمعية في المجتمع رعاية الحس النقدي وتنميته لتفلح مجتمعاتنا المفتوحة في مواجهة الأفكار بروح النقد وليس الاستسلام، وتقبل سمين الأفكار وغثيثها دون مراجعة وفحص وتمحيص. ودعا لرعاية العقل النقدي على أشد ما تكون الرعاية والاهتمام، كونه الهدف الأسمى الذي لا بديل عنه في صراعات الحاضر وإكراهات المستقبل. فيما يرى العضو المؤسس الدكتور هادي الصمداني أن الآمال المعقودة على الفعاليات الفلسفية في السعودية كبيرة لاسيما مع الانفتاح الرسمي على الفلسفة. ويؤكد أن الجمعية التي تأسست أواخر عام 2020 أسهمت في إثراء المشهد بالعديد من الأنشطة وقدمت محتوى فلسفيا متنوعا، بين محاضرات وورش ومسابقات ميسرة للجمهور في وسائط مختلفة منها ما هو مكتوب ومرئي ومسموع، موضحاً أن الجمعية ستصدر كتابا يضم جملة من الأوراق التي ألقيت في برنامج «قراءات فلسفية في الفكر السعودي» الذي عقدت ندواته بين يونيو ونوفمبر 2021، إضافةً إلى إصدار مجلة فلسفية فصلية في المستقبل القريب تجمع بين البحوث والمقالات الفلسفية والنصوص المترجمة من اللغات المختلفة، في ظل شراكتها مع دار مدارك لنشر وترجمة مجموعة من العناوين المهمة في الفلسفة، مضيفاً أن المأمول أكثر من الفعاليات الفلسفية في المملكة بتنويع المبادرات والاستمرار في العطاء لخلق حراك فلسفي محلي يعطي الفرصة للمبدعين للتعبير عن رؤاهم ويصل المتلقي بالفكر الإنساني والأسئلة الفلسفية المتنوعة. ويذهب عضو إيوان الفلسفة بالنادي الأدبي الثقافي بجدة هشام السلمي، إلى أنه لا يمكن التعويل على جمعية الفلسفة السعودية لدفع الحراك نحو التفكير الفلسفي أو التفلسف، كوننا إذا نظرنا إلى نشاطها وتفريعاتها نجدها استئنافا لما سبق من أنشطة قائمة على الاجتهادات الشخصية، ولذا لا يمكن تحميلها أكثر مما تحتمل فما ينبغي أن يكون هو أن نسعى نحو التأسيس الممنهج لتدريس الفلسفة في التعليم العام والجامعي لإنشاء قاعدة صلبة يمكن الاتكاء عليها نحو بناء تراكم فكري ومعرفي لبلورة مشاريع فلسفية متعددة وأصيلة تسهم في نمو ثقافة فلسفية جديرة بالتميز وأن تكون الجمعيات والأنشطة الثقافية والمنتديات الفلسفية والفكرية والصحف رافداً لممارسة الفلسفة والتفلسف. ويؤكد العضو المؤسس سالم الثنيان أن النقلة التي أحدثتها جمعية الفلسفة، في حضورها وحراكها في المشهد الثقافي، نقلة نوعية، بإقامتها عدداً من الأمسيات وأوراق العمل والمسابقات، وأوضح أنه إلى الآن لم تطرح استبيانات أو استفتاءات، يمكن من خلالها رصد ردود الأفعال المختلفة تجاه جمعية الفلسفة. وكشف عن مواجهة القائمين على الجمعية مشكلة العزوف عن الفلسفة، وعدم استشعار مدى أهميتها. وتطلّع إلى أن تكون الأولوية بالتثقيف بمشكلات المجتمع من خلال المناقشة والحوار، وتبسيط بعض المفاهيم في العلوم الانسانية والعلوم الطبيعية كالنسبية والكم. وتطلّع لأن تكون الفلسفة أداة للمعرفة والمتعة معاً، لتتوجه إلى العقل لتحاوره وإلى الوجدان لتثير أنبل ما فيه. وعدّ الفلسفة إسهاما في بناء الإنسان وتطوير المجتمع وازدهاره، لافتاً إلى أن القائمين على الجمعية أشخاص أكفاء ولديهم الشغف، ويعملون متطوعين، على الرغم من قلة الإمكانيات. ويطمح الجميع للشراكة مع التعليم والهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة. فيما أوضح الباحث الثقافي محمد الزيلعي، أن خلق الجمعية لفضاء فلسفي لم يتحقق، وعزا ذلك إلى الفجوة العلمية والمفاهيمية في هذه المؤسسات سواء المجتمعية أو الأكاديمية نتيجة عدم حضور الفلسفة فيها باعتباره درساً علمياً أو أكاديمياً يتمثل في مواد تشرح الفلسفة انطلاقاً من مدارسها المختلفة سواء الإمبريقية التجريبية أو التأويلية النقدية، أو أقسام علمية تُعنى بهذا الجانب من الممارسة تجاه القضايا ذات العلاقة لتمنح المجتمع مخرجات تعمل في هذا الحقل. ويرى مسافة واضحة بين الأكاديمي والمشتغل في الحقل الفلسفي، ويعزوها للموضوعية في تناول الظواهر ودراستها وتفكيكها. وقال: على جمعية الفلسفة أن تعمل لتوفير مناخ فلسفي يتناسب مع طبيعة المشهد الثقافي والفكري الحالي في المجتمع، وتنطلق من المداخل النظرية بأسلوب مبسط في التعليم والتثقيف عبر منصاتها المختلفة لتصل إلى جمهور يُعنى ويهتم بالطروحات الفلسفية دون أي عائق مفاهيمي متوقع نتيجة صعوبة المصطلحات أو الموضوعات في هذا الجانب المهم من الإشتغالات النوعية، وهذا ما نرجوه. ويرى المهتم بالحقل الفلسفي عبدالله الهميلي أن جمعية الفلسفة السعودية كانت أول حضور للعمل الثقافي في شكله المؤسسي الطموح بالتعاون مع مختلف الجهات الرسمية وعلى رأسها هيئة الأدب والنشر والترجمة، مضافا للجهات المختلفة باتجاه تجسير الفلسفة لكل فئات المجتمع السعودي المتعطش للفكر الفلسفي. وذهب إلى أن أي كيان وليد لابد أن يواجه صعوبات وتحديات على رأسها تقبل المجتمع للحراك الفلسفي، إلا أن الخبرة التراكمية في العمل الثقافي بالنسبة لمؤسسيه تخفف العبء. وعدّ الجمعية ثمرة من ثمرات حلقة الرياض الفلسفية والحلقات التي تكونت لاحقا كالحلقة المعرفية في الشرقية وإيوان الفلسفة في جدة ومنتدى السلام الفلسفي في نجران، ويرى العام الأول حافلاً بالنشاطات المتنوعة التي بدأت بقراءات فلسفية لمفكرين سعوديين مضافا للبرامج التدريبية في قراءة النصوص الفلسفية أو التفكير النقدي وبرنامج الفلسفة للأطفال إلى تقديم أطروحات فلسفية وقراءات تعد بكل ما هو جديد، وصدور ثلاث أطروحات فلسفية لثلاثة من أعضائها المؤسسين.