حتى الآن تعمل تركيا على عدم اتخاذ موقف تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، رغم أنها عضو في حلف شمال الأطلسي الذي يتخذ موقفا عدائيا ورافضا للحرب التي اندلعت من وجهة نظر الرئيس فلاديمير بوتين من أجل إبعاد شبح «الناتو» عن بلاده. وتواجه أنقرة في هذه الحرب مأزقا سياسيا معقدا، فهي من ناحية ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية مع الجانب الأوكراني، إذ يصل حجم التبادل التجاري إلى نحو 10 مليارات دولار سنويا، فيما ترتبط مع روسيا بمصالح استراتيجية في سورية والمنطقة عموما، وكان آخر العلاقة العسكرية الروسية التركية صفقة شراء منظومة صواريخ «إس 400» التي اعترضت عليها الولاياتالمتحدة باعتبار أن تركيا حليف في الناتو ولا يجوز أن تستعين بالسلاح الروسي. في ظل هذا التعقيد تسعى تركيا إلى الوساطة بين المتحاربين الحليفتين خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي الذي يعقد غدا (الخميس)، اذ أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو أنه سيلتقي نظيريه الروسي سيرغي لافروف والأوكراني دميترو كوليبا في اجتماع ثلاثي على أمل تقريب وجهات النظر بين الطرفين، بعد أن اتخذت أوروبا والولاياتالمتحدة موقفا حاسما من موسكو وألحقت عقوبات غير مسبوقة ضدها. المساعي التركية الحالية ليس مرجحا أن تؤدي إلى نتيجة ملموسة لكنها محاولة للتوازن في الموقف السياسي بين الدولتين، إذ ان تفاقم الحرب بطبيعة الحال سيدفع أنقرة إلى اتخاذ موقف واضح سواء باتجاه الوقوف إلى جانب الناتو أو الحفاظ على مسيرة العلاقات الروسية التركية على مدى العقد الماضي، ناهيك عن أهمية العلاقات التركية الأوكرانية على المستوى الاقتصادي. تركيا من أكثر الدول التي ستتأثر بالحرب الروسية الأوكرانية على المستويات كافة، ومن هذا المنطق فقد أجرى الرئيس التركي رجب أردوغان 19 اتصالا بالرئيسين الروسي والأوكراني، بينما أجرى أكثر من 40 اتصالا مع الدول المعنية بهذه الحرب، لذا فإن مهمة أنقرة تتمثل في مساعي «ربع الساعة» الأخير وما لم تصل هذه المساعي إلى حالة مرضية للطرفين في ظل إصرار الرئيس بوتين على مطالبه المرفوضة أصلا من أوكرانيا، فإن مضاعفات الحرب ستنتقل إلى الساحة التركية بشكل أو بآخر.