رويترز، أ ف ب - أعلنت موسكو أنها ستتخذ مجموعة من التدابير الجديدة رداً على قيام تركيا بإسقاط المقاتلة الروسية «سوخوي 24» بينها تعزيز قواتها في سورية ونشر أنظمة صاروخية متطورة من طراز «أس400» في قاعدة حميميم قرب اللاذقية غرب سورية، في وقت سعت تركيا إلى تخفيف التصعيد. وعلى رغم أن اللهجة الغاضبة التي ميزت المواقف الروسية في البداية تراجعت بعض الشيء أمس، وخصوصاً بعدما أجرى وزير الخارجية التركي أوغلو اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف أعرب خلاله عن «الأسف للحادث» وقدم تعازي أنقرة، لكن الرئيس فلاديمير بوتين أكد أن «موسكو تتعاطى بأقصى درجات الجدية، وستعمل بكل السبل المتاحة لديها للدفاع عن أمنها». وتحدث في إطار ذلك عن جملة من الإجراءات لتعزيز القوات الروسية العاملة في سورية، وأشار إلى توقيعه قراراً بنشر منظومة «أس400» في سورية. وكان لافتاً أن بوتين تحدث في البداية عن نشر نسخة «أس300»، لكن الناطق باسم الكرملين عاد بعد مرور ساعات ليؤكد أن بوتين «وافق على توصية وزارة الدفاع بنشر «أس400». وكشف بيسكوف أن بوتين لم يبحث موضوع نشر «أس-400» وهي أحدث منظومة دفاعية روسية، في سورية مع زعماء دول «حلف شمال الأطلسي» (ناتو). وشدد على أن العملية الروسية لمكافحة الإرهاب في سورية مستمرة، مشيراً إلى أن «الطائرات الحربية الروسية تواصل عملها وتقوم بتدمير البنية التحتية للإرهابيين، وتقطع تدفقات توريدات النفط والمشتقات النفطية غير الشرعية والتي تشكل تغذية مالية للإرهاب... وفي هذه الحال اتخذت روسيا جملة من التدابير الجديدة تتعلق بضمان أمن طيارينا والطائرات التي تشارك بالعملية». وفي وقت لاحق، وصف وزير الدفاع سيرغي شويغو استهداف القاذفة الروسية بأنه حادث استثنائي، مشدداً على أن موسكو لن تتغاضى في المستقبل عن مثل هذه الحوادث. وأكد شويغو أن الطراد الصاروخي موسكو وصل إلى منطقة تمركز جديدة قبالة سواحل اللاذقية، مضيفاً أن الطراد مستعد لتدمير أي هدف جوي من المحتمل أن يشكل خطراً على مجموعة الطائرات الروسية في سورية. وأكد أن كافة عمليات الطيران الضارب الروسي في سورية ستنفذ لاحقاً بغطاء من قبل المقاتلات الروسية. وكان لافتاً أن بوتين أشار للمرة الأولى إلى انتقاد سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الداخلية. واعتبر أنه «قام خلال سنوات بعملية أسلمة للحياة السياسية في البلاد من خلال تعزيز التيار الإسلامي المتطرف». تزامن ذلك مع إعلان لافروف أن نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو اتصل هاتفياً للتعبير عن أسف أنقرة تجاه الحادث. وأكد أن الجانب التركي لم يتأكد من هوية الطائرة التي انتهكت المجال الجوي لتركيا لمدة 17 ثانية وأن سلاح الجو وجه إنذارات قبل التعامل معها وفق قواعد الاشتباك. وانتقد لافروف التبرير التركي، لافتاً إلى أن طائرات تابعة ل «ناتو» تعمل أيضاً في المنطقة وتساءل: هل كنتم ستضربون طائرة حليفة؟»، مضيفاً أن «لدينا شكوكاً كبيرة في كون الحادث كان يحمل طابعاً غير متعمد، بل هو يشبه استفزازاً مخططاً له على درجة كبيرة». وأكد لافروف أن وسائل المراقبة الإلكترونية الروسية تظهر بوضوح أن الطائرة الحربية الروسية لم تخترق الأجواء التركية. وشدد على أنه حتى في حال دخلت طائرة حربية أجنبية فعلاً في أجواء دولة لمثل هذه الفترة القصيرة، فإن إطلاق النار عليها وهي فوق أراضي دولة مجاورة، أمر غير مقبول. وأشار الوزير أيضاً إلى استحداث خط ساخن بين مركز تنسيق العمليات لوزارة الدفاع الروسية ووزارة الدفاع التركية منذ بدء العملية العسكرية الروسية في سورية، لكنه قال إن أنقرة لم تلجأ إلى استخدام هذا الخط أبداً، معتبراً أن ذلك يثير تساؤلات كثيرة. في الوقت ذاته أعلن لافروف أن بلاده لا تريد حرباً مع تركيا ولن ترد بطريقة عسكرية، منوهاً بعلاقات تجمع الشعبين، مؤكداً: «لا نخطط لشن حرب على تركيا، وعلاقتنا مع الشعب التركي لم تتغير، لكن لدينا أسئلة إلى القيادة التركية الراهنة»، موضحاً أنه «ليس سراً أن الإرهابيين يستخدمون الأراضي التركية لإعداد هجماتهم في سورية وأعمال إرهابية في مختلف الدول». وتابع أن إسقاط القاذفة دفع بموسكو إلى مراجعة علاقاتها مع أنقرة بالكامل، مضيفاً أن وزارة الدفاع ستقدم اقتراحاتها في هذا الشأن للرئيس الروسي قريباً. وتابع أن بعض شركاء روسيا أبلغوها بأن استهداف القاذفة كان كميناً، في إشارة إلى مراقبة تحركات الطائرة من قبل جهات معينة قبل استهدافها. وندد لافروف بإعلان أنقرة أن المنطقة التي حلقت فيها الطائرة لا تواجد فيها لتنظيم «داعش»، مشيراً إلى أن «المنطقة التي عملت فيها القاذفة الروسية والتي تقول أنقرة إن سكانها من التركمان، تعد معقلاً لآلاف المتطرفين من حاملي الجنسية الروسية، بالإضافة إلى ما أقيم في أراضيها من مخازن الأسلحة والذخيرة ومراكز القيادة ومرافق الإمداد للإرهابيين». وقال لافروف إنه سأل نظيره التركي: «هل يدل اهتمام أنقرة بهذه المنطقة بالذات، بما في ذلك اقتراحاتها حول إقامة منطقة عازلة، على أنها تسعى لحماية هذه البنية التحتية للإرهابيين والحيلولة دون تدميرها؟. لكن الوزير شاوش أوغلو امتنع عن الإجابة على هذا السؤال أيضاً». وتابع لافروف أنه يأمل في ألا يتم استغلال حادثة إسقاط القاذفة الروسية لتبرير فكرة إقامة منطقة حظر طيران في شمال سورية. وأكد لافروف أن موسكو مستعدة لدراسة اقتراح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حول إغلاق الحدود التركية-السورية بصورة موقتة. في الأثناء اعتبر سيرغي ناريشكين رئيس مجلس الدوما الروسي أن إسقاط القاذفة يعكس «خيانة السلطات التركية لشعبها». وقال خلال لقاء جمعه بوزير الخارجية السوري وليد المعلم في موسكو إن موسكو «تعتبر أن ما اقترفته السلطات التركية بحق الطائرة الروسية لا يعبر بالمطلق عن موقف الشعب التركي، الذي تربطنا به علاقات الصداقة والشراكة». وشدد ناريشكين على ضرورة الكشف عن المتورطين باستهداف الطائرة الروسية ومعاقبتهم. وقال: «نعتبر هذا الحادث جريمة، وتعاوناً مع الإرهابيين، وأن هناك متورطين فيه لا بد من الكشف عنهم وملاحقتهم جنائياً». تهدئة تركية... وانتقاد إيراني في المقابل، سعت تركيا الأربعاء إلى تهدئة التوتر الحاد مع روسيا. وعلى غرار حلفاء أنقرة في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) وأولهم الولاياتالمتحدة، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء: «ليس لدينا على الإطلاق أية نية في التسبب بتصعيد بعد هذه القضية». وقال أمام منتدى دول إسلامية في إسطنبول: «نحن نقوم فقط بالدفاع عن أمننا وحق شعبنا»، مضيفاً: «يجب ألا يتوقع أحد منا أن نلزم الصمت حين ينتهك أمن حدودنا وسيادتنا». كما أكد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أمام نواب «حزب العدالة والتنمية» أن بلاده «صديقة وجارة» لروسيا، موضحاً: «ليست لدينا أي نية في تهديد علاقاتنا مع الاتحاد الروسي»، مشدداً على بقاء «قنوات الحوار» مع روسيا مفتوحة. وقالت تركيا إن اثنتين من طائراتها من طراز «أف-16» أسقطتا مقاتلة روسية «سوخوي سو-»24 بعد إنذارها 10 مرات بمغادرة المجال الجوي التركي. لكن موسكو تؤكد من جانبها أن الطائرة كانت داخل المجال الجوي السوري. وأعرب حلفاء تركيا الغربيون، عن تضامنهم جميعاً، لكنهم كرروا الدعوات منذ الثلثاء إلى تجنب أي «تصعيد» للتوتر. واتفق أردوغان مع نظيره الأميركي باراك أوباما في اتصال هاتفي على «أهمية نزع فتيل التوتر والعمل على تفادي حوادث مشابهة»، بحسب الرئاسية التركية. لكن الصحافة الموالية للحكومة التركية أبقت على نبرتها العدائية. وكتبت صحيفة «صباح» اليومية أن «روسيا تشكل خطراً على المجتمع الدولي، وإن أمعنا النظر، فسنرى أن سلوكها لا يختلف عن سلوك داعش» التسمية الأخرى لتنظيم الدولة الإسلامية. حتى أردوغان نفسه انتقد التدخل العسكري الروسي الأربعاء. وقال: «لسنا أغبياء... يؤكد (الروس) أنهم يستهدفون داعش، لكن لا داعش في هذه المنطقة. إنهم يقصفون تركمان بايربوجاك»، علماً أنه يقدم نفسه بصورة حامي الأقلية الناطقة بالتركية في سورية. في المقابل، اتهم الكاتب محمد يلماظ في صحيفة «حرييت» المسؤولين الأتراك بإغراق البلاد «في مستنقع الشرق الأوسط»، محذراً من «عواقب خطيرة سياسياً واقتصادياً». في موسكو، قام متظاهرون برشق السفارة التركية في موسكو بالحجارة الأربعاء غداة مقتل طيار روسي. وتجمع مئات المتظاهرين وجميعهم تقريباً من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 30 سنة بعد الظهر أمام السفارة التركية ورددوا هتافات مناهضة للرئيس التركي أمام أنظار الشرطة التي لم تتدخل. في طهران، اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي مساء الثلثاء أن حادثة إسقاط تركيا لمقاتلة روسية «تبعث برسالة خاطئة إلى الجماعات الإرهابية» في سورية. ونقل الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري عن ظريف قوله إن «مثل هذه الأحداث تؤدي إلى تصعيد الأزمة السورية وتبعث برسالة خاطئة إلى الجماعات الإرهابية». وأضاف إن «أي خطوة تؤدي إلى تصعيد التوتر وتعقد الوضع، ستوجه رسالة خاطئة للإرهاب». واعتبر أن مثل هذه الرسائل ستجعلهم «يعتقدون أنهم قادرون على الاستمرار في ممارساتهم الإرهابية (...) من خلال استغلال الانقسام في وجهات نظر الأطراف» المؤثرة في الأزمة السورية. من جهته، وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني حادثة إسقاط الطائرة الروسية ب»المثيرة للقلق والخطيرة». ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن روحاني قوله الأربعاء انه «بحسب ما تشير معلوماتنا، فإن الطائرة استهدفت خلال عملها فوق الأراضي السورية». في كييف، قررت أوكرانيا الأربعاء منع جميع الخطوط الجوية الروسية من عبور مجالها الجوي في آخر تصعيد بين الجارتين بعد 19 شهراً من بدء حرب انفصالية في شرق الجمهورية السوفياتية السابقة. وأعلنت حكومة كييف المؤيدة للغرب قرارها، بعد لحظات من إعلان روسيا عن خطط لوقف شحنات الغاز إلى أوكرانيا اعتباراً من الخميس. وبرر رئيس الوزراء الأوكراني ارسيني ياتسينيوك خلال اجتماع لمجلس الوزراء بثه التلفزيون أن الحظر تم لأن «روسيا قد تستخدم المجال الجوي الأوكراني للقيام باستفزازات». وأضاف ياتسينيوك أن «هذه مسألة تتعلق بالأمن القومي لبلادنا، وهي رد على الاتحاد الروسي وتصرفاته العدوانية». وتتهم أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون موسكو بتدبير ودعم التمرد الموالي لروسيا انتقاماً لقيام كييف بالإطاحة بالرئيس المدعوم من الكرملين العام الماضي، وقرار الحكومة الجديدة بتوقيع شراكة مع الغرب.