شهدت الجلسة الثالثة ضمن فعاليات الدورة ال(18) لملتقى قراءة النص؛ الذي نظمه أدبي جدة، واختتم أخيراً، مشاركة الدكتور سلطان القحطاني، بورقة عنوانها «جهود اثنين من رواد النهضة الثقافية والأدبية السعودية»، أشار فيها إلى أنها لن تكون ورقة اكتشاف لعلمين من أعلام النهضة الأدبية (إبداعاً ونقداً)، ولكنها تتمحور حول جهود كلٍ منهما في فتح بابٍ للنهضة الأدبية بشقيها الرئيسيين (الإبداع ونقده)؛ وهما عبدالقدوس الأنصاري، ومحمّد حسن عوّاد، مشيراً إلى أن الأول كان باحثاً مفكراً، بحث في شتى العلوم والمعارف، والآخر (العواد) كان مفكراً ومثقفاً سبق عصره، ولا يعد ناقداً بقدر ما هو مفكر. وأشار القحطاني -في ورقته- إلى النقد العنيف الذي وجهه العواد للأنصاري بسبب أحد أعماله الأدبية، مرتئياً أنه «تطاول على شخصية الأنصاري بما لا يليق»، متخذاً من ذلك مرتكزاً لورقته ليكشف من خلالها النقاب عن ظهور النقد بجلاء، بصرف النظر عما اعتراه من السلبيات والتشدد من نقد العمل إلى شخصنة المنقود، وقد بدأه العواد بالنسبة للأنصاري. خالصاً من ذلك إلى القول بأن «تلك المعركة أفرزت جوانب إيجابية ربما لم يقصدها الأنصاري ولا العواد، ومنها كسر التابو «tabu» بالنسبة للنقد، حيث أخذ النقد طريقة على الرغم مما اعتراه من سلبيات، كأي فن يظهر لأول مرة، لكن بعضهم اتخذه وسيلة انتقام، والله أعلم بالنوايا. ولئن كان القحطاني قد تناول ما دار بين العواد والأنصاري، فالدكتورة كوثر القاضي اتجهت إلى ما دار بين حمزة شحاتة والعواد في ورقتها التي استقصت جهود رواد النهضة الثقافية والأدبية في السعودية من خلال المعارك الأدبية في الصحافة السعودية؛ متخذة من المعارك بين محمد حسن عوَّاد «الساحر العظيم» وحمزة شحاتة «هول الليل» أنموذجاً، مشيرة إلى أن العوَّاد (1902-1980) خاض معارك أدبية ونقدية كثيرة، ولكن كان أهمها معركته مع خصمه العتيد الشاعر حمزة شحاتة (1909-1972)، وقد نُشرت أول فصول هذه المعركة في صحيفة «البلاد» في مكة. وتضيف «القاضي»: «كان العوَّاد شديد الخصومة لمن يعارض فكرة التحديث، ومهاجماً شرساً ضد التقليديين، وخاض معارك كثيرة؛ ولكن أبرز معاركه معركته مع شحاتة، وهي معركة شعرية رمزية نُشرت بعض فصولها في صحيفة «صوت الحجاز»، وقد اتخذ شحاتة لنفسه لقب «الليل» والعوّاد «الساحر العظيم»، من الناحية الفنية كانت هذه القصائد مكسباً للأدب، لولا أنها تحولت إلى مهاجاة عنيفة ونهاية مؤسفة، وللعواد قصيدة اعتذارية بعنوان «عتاب». وبعيداً عن المعارك الأدبية، يتجه الدكتور سعد الرفاعي إلى «حضور أدب الطفل في المجلات الثقافية»، متخذاً من «الجوبة» نموذجاً لدراسته، حيث تتبع الأطروحات ذات الصلة بالطفل وأدبه عبر أعداد المجلة كلها، ومن ثم حصرها وتصنيف المنشور سواء كان عن الطفل أو موجهاً للطفل أو من قبل الطفل نفسه، واستعرض أنواع الأطروحات سواء كانت ذات صبغة نقدية أم أدبية إبداعية، أم ذات صبغة تربوية، كما رصد في ورقته أبرز ما نشر عن الكتابة للطفل والحوارات مع كتاب وكاتبات أدب الطفل، خالصاً من ذلك إلى أبرز نتائج هذا المسح المكتبي للموضوعات، مورداً جملة من التوصيات المقترحة للنهوض بأدب الطفل في المجلات الثقافية. وفي ورقته ناقش الدكتور عادل الزهراني موضوع «الخطاب الثقافي والنقدي في الصحف»، من خلال شخصية سعيد السريحي، مشيراً إلى أن السريحي كان عنصراً فاعلاً في مرحلة التحولات الثقافية والاجتماعية التي كان من نتائجها صراع الحداثة الشهير، حضر بوصفه شاعراً، وناقداً، وصحفياً، وخصماً من كبار الخصوم. وتابع: خلال مسيرته الممتدة، قدّم السريحي رؤيته الخاصة بمفهوم ووظيفة الشعر الحديث، وذلك من خلال مقالاته وحواراته الصحفية، وأبحاثه وكتبه، ومن خلال نصوصه الشعرية التي نشرها في الصحافة المحلية عبر السنين. وتمضي الورقة إلى استخلاص رؤية السريحي حول الشعر عبر تحليل خطابه الإبداعي والنقدي كما ظهر في الصحف والمجلات السعودية، مرتئياً أن معالم مفهوم الشعر عند السريحي، تشكّل الحرية المطلقة، والنقض والتجديد والتجريب، والغموض، واستغلال ما في اللغة من طاقات، عناصرَ الوصفة التي تقود شاعر العصر نحو عالم القصيدة الحديثة. وتناول الدكتور صالح الحربي في ورقته شخصية الدكتور غازي القصيبي من جانب، رأى أن الدراسات قد غفلت عنه، ألا وهو مشاركاته في دراسات الأدب المقارن، مستهلاً ورقته بالإشارة إلى تعدد أوجه حضور الشاعر والأديب غازي القصيبي (رحمه الله) الأدبية، فعرفه القراء شاعراً مبرزاً وروائياً مبدعاً وكاتباً مقالياً ومؤلفاً من طراز رفيع، كسب إعجاب القراء وأثار أقلام النقاد، وكانت مؤلفاته من الأكثر انتشاراً ومبيعاً. ماضياً إلى القول: «برزت آراء القصيبي المقارنة في مقالات متفرقة جمعها في كتبه المطبوعة لاحقاً. ورغم محدودية هذه المقالات إلا أنها تثبت سعة اطلاع القصيبي ومشاركته في شتى الطروحات والأجناس الأدبية، رغم بعد تخصصه العلمي، وانشغاله الإداري. على أن هذه الآراء خليقة بالمناقشة لما تحمله من اختلاف في الطرح وما يمثله قلم القصيبي من أهمية أدبية في أدبنا السعودي المعاصر».