غطت جلسات ملتقى قراءة النص الثالث عشر الذي نظمه النادي الأدبي الثقافي بجدة خلال الاسبوع الماضي، حقبة مهمة من تاريخ الأدب السعودي التي تعتبر المرحلة التأسيسية للمشروع التنويري لقاده الرعيل الأول من الرواد أمثال حمزة شحاتة ومحمد سرور الصبان، محمد حسن عواد وأحمد السباعي، حامد دمنهوري، عبدالكريم الجهيمان، عبدالله عبدالجبار وعبدالقدوس الأنصاري وغيرهم من الأدباء الذين كانوا ولا زالوا في مكانة المفكرين والمثقفين الواعين بنهضة بلادهم في تلك الفترة المبكرة من تاريخ المملكة، حيث أوضح أمين الملتقى الأستاذ الدكتور محمد ربيع الغامدي، بأن الملتقى ناقش مرحلة مهمة وتأسيسية من مراحل الأدب السعودي، هي مرحلة الرواد، حيث اختير له عنوان: (الإنتاج الأدبي والنقدي لجيل الرواد بالمملكة: تأريخ ومراجعة وتقويم)، فجاءت بحوث المشاركين إضافة حقيقية في المشهد الثقافي. وبدأت الفعاليات بكلمة لرئيس النادي الدكتور عبدالله بن عويقل السلمي أعلن فيها عن احتفاء النادي بفوز أستاذين فاضلين في مجال جائزة جدة للدراسات النقدية والأدبية هما الدكتور حسن النعمي والدكتور حسين المناصرة، وبعدها أقيمت جلسة تكريمية للأديب الراحل عابد خزندار رحمه الله شارك فيها كل من الدكتورة هناء حجازي و محمد القشعمي وهاشم الجحدلي، حيث استعرض القشعمي سيرة الأديب عابد خزندار و وقف على أهم أعماله الأدبية. سار الملتقى في برنامجه على منهجية مدروسة في تناول عطاءات هؤلاء الأدباء الرواد، وجاءت جلساته الست لتشمل النتاج الأدبي المطروح في تلك المرحلة، مما أعطى كل جلسة طابع التكثيف على موضوع أو موضوعين في الغالب تناقش فيها الباحثون البالغ عددهم نحو 35 دكتور وأستاذ من أساتذة النقد في مختلف مناطق المملكة، من بينهم: عبد الله المعيقل، معجب العدواني، سعيد السريحي، حسن الهويمل، أحمد سماحة، محمد صالح الشنطي، صالح معيض، ومحمد العباس، ومحمد الحرز، أحمد الطامي، لمياء باعشن، وعلي الشدوي، ومنى المالكي، وشيمة الشمري، وقليل الثبيتي، وعثمان جمعان الغامدي، عبد الله الوشمي، عبد الرحمن المحسني، حسن حجاب، عبد الحق بلعابد، حمد السويلم، و سحمي الهاجري، إضافة إلى مشاركة نقاد من الدول العربية الشقيقة الذين تخصصوا في الأدب السعودي، أمثال الدكتور محمد الشنطي والدكتور حسين المناصرة. وبشكل عام تناول الملتقى، فيما تناول،عرض وتحليل الروآيات الرائدة في الأدب السعودي، لا سيما روايتان أساسيتان: رواية (التوأمان) وهي أول رواية في التاريخ السعودي الحديث، التي صدرت عام 1930م، وقد صدرت عن الترقي بالقيمرية في دمشق عام 1933 وكتب على غلافها "أول رواية سعودية صدرت بالحجاز، وهي رواية أدبية وعلمية واجتماعية بقلم عبدالقدوس الأنصاري، وظلت "التوأمان" ما يقرب من عشرين عاما بعد كتابتها متصدرة الريادة، فلم تظهر أعمال أخر في ميدان الأدب السعودي، إلى أن ظهرت رواية "فكرة" للأستاذ أحمد السباعي ورواية البعث" للأستاذ محمد علي المغربي، وكان صدورهما عام 1948، وتطور مفهوم الرواية بعد ذلك على يد كتاب مجتهدين تتابعت أعمالهم، مثل حامد دمنهور صاحب أول رواية سعودية "فنية" وهي روايته "ثمن التضحية" عام 1959م. وقدم الملتقى أوراقاً متنوعة هامة منها: ورقة الدكتور عبد الحق بلعابد، مكرسة في دراسة العتبات، حيث اعتبرها مدخلا مهما لفهم النصوص وتأويلها ، ثم ورقة الدكتور عبدالله المعيقل خطاب المقدمات في الأدب السعودي بين إنكار الذات وإثباتها، وقدم الأستاذ عثمان جمعة رؤية شاملة عن مكانة مدينة الطائف التاريخية والاجتماعية مستعرضاً أدوار الأسر العلمية ومكانتها وتأثيرها على التنوير في المملكة، ثم طرح الدكتور حسن الهويمل ورقة عن الاتجاه النقدي للشاعر والناقد محمد عامر الرميح، وقدم الدكتور صالح بن سالم ورقة بحثية عن نشأة النقد الروائي في السعودية، وقدمت الدكتورة فايزة الحربي قراءة خطابه النقدي الذي قدم به الأديب عبدالله عبدالجبار مؤلفات المبدعين في النقد والشعر والقصة والفكر في محاولة للكشف عن أهم القضايا التي عالجها ورؤيته الفكرية حولها. وقدم الدكتور يوسف العارف ورقة عن الفضاء الشعري عند الأنصاري والسنوسي. وخصص الملتقى محاضرات عن أدب ومكانة الأديب محمد حسن العواد، منها للدكتور سعيد السريحي بعنوان "المقالات العشرة: ما وراء نقد يوسف ياسين لخواطر مصرحة"، والثانية للدكتور أحمد سماحة بعنوان "محمد حسن عواد وطموح التجديد بين الرغبة والتحقق: قراءة في خواطر مصرحة، أما الثالثة فقدمتها الدكتورة شيمة الشمري عن كتاب خواطر مصرحة، فيما قدم الدكتور عبدالرحمن المحسني صورة العقاد عند أدباء الحجاز. فيما تناولت بعض الأوراق موضوعات مختلفة كورقة الدكتور عبدالله حامد التي خصصها عن كتاب "أيام في الشرق الأقصى، لعلي حسن فدعق، والثانية للدكتورة منى مالكي سلطت فيها عن المرأة في رسائل إلى ابنتي شيرين، للأديب حمزة شحاتة، وقدمت الدكتورة دلال المالكي قراءة في أدب الرسائل عند شحاتة، وجاءت ورقة الدكتور عادل خميس عن الفعل النقدي لدى حمزة شحاتة، و طرحت دراسة للدكتور أحمد الطامي عن التجديد في موسيقى الشعر عند الرواد، وتعرض الدكتور محمد الشنطي لخصوصية الخطاب في شعر طاهر زمخشري، وتناولت الدكتورة مستورة العرابي موضوع التكرار والاختلاف المضمر في تجربة الزمخشري الشعرية، وعرجت الدكتورة ليلى الشبيلي على أبرز الملامح الفنية في أدب محمد حسن فقي. وفي الجلسة الختامية طرحت أربع محاضرات هامة بدأها الدكتور معجب العدواني، وتلته الدكتورة إيمان الحازمي ثم الدكتور حسن حجاب وختمها قليل الثبيتي. في نهاية الملتقى أوصى المجتمعون بدعوة المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية إلى تبنّي مشروعٍ وطنيّ لتوثيق عطاءات الروادِ في مجالات الأدب والثقافة، من خلال جمعِ نتاجهم، وطباعتِهِ، ونشره، وأرشفتِهِ، وتيسير تداوله بين الباحثين، كما أوصوا بتسليط الضوء على المغمورين من جيل الرواد، وإبراز جهودهم وعطائهم، وعدم الاقتصار على أسماء محدودة أخذتْ حظاً طيباً من الدراسةِ والبحث، وإنْ كانتْ أهلاً لذلك. ودعوا إلى التركيز على الجانب الموضوعي المنهجي في تناول عطاء الرواد، بعيداً عن الاحتفالية المبالغ فيها، وإلى إيجاد برامج وآليات تضمنُ توسيع دائرة الاستفادة من مثل هذه الملتقيات، وذلك عبر توظيف الوسائط الحديثة، وإضافة النشر السمعي والمرئي إلى النشر الورقيّ. كما حثوا على العمل المنسق بين المؤسسات الثقافية والأدبية بما يتعلق بتناول المنتج الثقافي السعودي – ولاسيما الرواد- منعاً للتكرار والازدواجية، وحرصاً على إيجاد تراكم معرفي يرقى بالخطاب الثقافي السعودي إلى آفاق أوسع، وميادين أرحب، بدلاً من تكرار الحديث في دوائر محصورة. وركز المجتمعون من الأدباء والنقاد على التنسيق مع المؤسسات التربوية والإعلامية من أجل الاستفادة من مخرجاتِ هذا الملتقى وما شاكله من ملتقيات ثقافية وأدبية في صياغة المناهج التعليمية، وتكوين البرامج الإعلامية، مما يتيح لتوصياتها أن تتحول إلى برامج عملية يستفيد منها الوطن. وأوضحوا ضرورة حرص المؤسسات الثقافية والأدبية على خلق أجواء مناسبة تساعد على استقطاب الموهوبين وصقلهم ليكونوا بإذن الله رواداً للأجيال التي تليهم.وختموا باستثمار برامج الدراسات العليا التي تزخر بها جامعات المملكة في إنجاز مشاريع بحثية عميقة تخدم عطاء الرواد على مستوى التوثيق والمراجعة والتقويم.