قد تنجح الولاياتالمتحدة والناتو باستدراج روسيا أو دفعها لغزو أوكرانيا جزئيا أو كليا. هذه الرغبة الأمريكية لا تهدف لمواجهة القوات الروسية أو منازلتها على الأرض الأوكرانية، إنما هي محاولة أمريكية لتوريط الروس بمستنقع أوكرانيا على غرار الورطة السوفييتية في المستنقع الأفغاني. إنما الروس الآن في صعود، بينما أمريكا في أفول. هذا السيناريو الأمريكي الذي يهدف لجر الروس لغزو أوكرانيا، مع ما يصاحبه من حملة دبلوماسية غربية وتضليل إعلامي وحرب نفسية، تأمل الإدارة الأمريكية أن ينجح مع تهيئة الأسباب والظروف والدوافع الروسية والأوروبية والأوكرانية كي يقع الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة أن دوافع روسية قومية، جيو استراتيجية، تاريخية، واقتصادية، بالإضافة إلى توفر الدوافع لدى نسبة غير قليلة من السكان الأوكرانيين الذين يتطلعون للوحدة الديموغرافية والجغرافية مع الروس. تعلم الإدارة الأمريكية حجم الكارثة التي تنتظر أوكرانيا والأوكرانيين، فيما لو نجح السيناريو الأمريكي بجر الروس لغزو أوكرانيا، فالأمريكيون لن يحاربوا ولا يريدون أن يحاربوا، فكل الإجراءات التي سيقومون بها ضد الروس هي بعد الغزو ثم هي إجراءات اقتصادية، بالإضافة إلى تسليح الأوكرانيين لينهكوا القوات الروسية تماما كما فعل الأمريكان بتسليح الثوار الأفغان بصواريخ ستنجر التي أنهكت القوات السوفييتية فارتفعت كلفة الاحتلال السوفييتي على المحتلين بشرياً ومادياً، دفعتها الخزينة من اقتصادها الذي أدى إلى انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي وإسدال الستار على أطول فترة حرب باردة في العصر الحديث آنذاك. الولاياتالمتحدة في كل حروبها قوة تدمير، ولم تقدم خلاف هذا النموذج في كل حروبها مهما طال احتلالها للدول، ويكفي العراق وأفغانستان دليلا على الطريقة الأمريكية التي تسوق الذرائع الأخلاقية والديموقراطية والإنسانية مع بداية كل حرب من حروبها، ما تلبث بعدها أن تتكشف الفظائع والجرائم التي تخفي وراءها المصالح الأمريكية ولا شيء سوى المصالح الأمريكية. يبدو أن المسؤولين الأوكرانيين متنبهون لهذه الأفخاخ الأمريكية في أوكرانيا، فبدت تصريحات المسؤولين الأوكرانيين غير مندفعة مع الحملة الأمريكية لتوريط الروس في أوكرانيا، فالجرائم الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان بالتأكيد ماثلة وحاضرة في ذهنية المسؤولين الأوكرانيين ويدركون أن آخر هم للأمريكيين هو أوكرانيا والأوكرانيون. لكن هل يعقل أن تشعل الإدارة الأمريكية هذه الحرائق الدبلوماسية والتضليل الإعلامي والحروب النفسية فقط لتوريط الروس في أوكرانيا واستنزافهم عسكريا واقتصاديا ومعنويا؟ الإجابة أن هذا هو أحد الأهداف، أما الهدف الأمريكي الأكبر والجائزة الكبرى فهو الحيلولة دون تقارب أوروبي روسي والذي تمثل ألمانيا بوابته الرئيسية من خلال أنابيب الغاز نورد ستريم. يمكن للأمريكان أن يؤجلوا ميلاد النظام العالمي الجديد، لكنهم بفوضويتهم وغطرستهم لا يمكنهم منع هذا النظام العالمي الجديد الذي سيلغي القطبية الواحدة، لصالح الصين والروس، لأن شريان الغاز الروسي حيوي وتتعاظم أهمية أكثر فأكثر للطرفين الروسي والأوروبي كمصدر مهم للطاقة النظيفة، وهذه على ما يبدو ليست مصلحة أمريكية، كما أن هذا الشريان يأتي بعوائد مالية كبيرة للخزينة الروسية وهذه بالتأكيد ليس مصلحة أمريكية. من هنا فعلت وستفعل أمريكا كل ما تستطيع لعرقلة هذا الأنبوب وكل ما يتبعه من تقارب بين الروس وأوروبا ككل والألمان على وجه التحديد. فهل تكون الأفخاخ الأمريكية في أوكرانيا وافتعال الأزمات الأوروبية الروسية سببا في تفكك الاتحاد الأوروبي، خاصة أن أقوى دول الاتحاد اقتصاديا هم أكبر المتضررين من العرقلة الأمريكية لأنبوب الغاز الروسي الألماني؟ وهل تجد ألمانيا في الأزمة الأوكرانية فرصة للتحرر من عبء الناتو والحماية الأمريكية الباهظة وغير الضرورية؟ أم أن هذه الأزمة ستكون سببا في طلاق أوروبي أمريكي في ظل تشكيل وبناء تحالفات جديدة تؤدي حتماً لميلاد نظام عالمي جديد؟