قيل «تبرد قهوتك إذا غفلت عنها، فما بالك بمن يحبك»، فحينما يذهب وجه القهوة الخلَّاب أو يتشوه تختفي ملامحها الفاتنة.. ولأن قصص الوداع لا تُزْهِر إلا بذكر من نحب، قيلت عبارة: «غبار الرحيل قد ينجلي يوماً ليعيد إلينا ما كان».. ولأن ليس هناك أغلى من القلب والعْمر في الحياة، فقد أعطاك فقيدك قلباً وأعطيته عُمراً، وذلك هو إحساس البرّ الطاهر. ••• من له مسيرة إنسانية صادقة يزداد حضوراً في ذاكرتنا، نستشعر مغادرته في ميناء الوداع، نفتقد تلك النسمات الراحلة بأجنحة شفافة.. أولئك هم الأصوات المجنحة في خواطرنا، هم الذين نسجوا في أعماقنا روحاً خاصة، وهؤلاء من استقينا دروساً نابضة من حياتهم.. نودع تلك الأيقونات الإنسانية الاستثنائية بمداد من الدموع لمكانتهم في قلوبنا، نودع أولئك الراحلين النبلاء ونحن نرى أرواحهم في قلوبنا. ••• وعندما نودع مثل هؤلاء يأوي لبيته متكئاً على حائط الشمس أو محيط القمر، نفارقهم بأصوات خفيضة وأرواح رهيفة وقلوب حزينة.. ذلك الفقد يجعلنا نعانق دموعنا الكثيفة، يجعلنا ننطق وفي قلوبنا غصة وجع، لنصبح مثل طائر مهاجر مسالم يعيش عالمه الصغير.. تلك مشاعرنا تملأنا إرهاقاً فلابد من الراحة، وتلك أحاسيس روح غامضة لابد من الحذر منها، وتلك هي عصارة أتعاب الدنيا الفانية. ••• حين نوجد ملاذاً نلجأ إليه لتطهير أنفسنا من حزن الوداع، يتسرب في دواخلنا يقين صادق أن من حقهم علينا الدعاء.. وعندما يسطع وهج ذرات الابتهال في أنحاء أرواحنا، لن تزعجنا هموم الحياة بقدر ما نفكر بالطمأنينة للراحة في دار العقبى.. ولما تلمع الإنسانية في أعماقنا مثل النجوم، نفيض بحرارة السطوع توقاً للقاء من فقدناهم في دنيانا ليجمعنا بهم دار القرار. ••• وبين شذرات وداع الحياة ولقاء الآخرة؛ مشاعر وجدان وإحساس روح وقلب توَّاق لنفحات هوائية عبقة بنقش بديع من أزهار الدنيا.. وبين انحناء لشعاع شمس صباحية ودفء هواء رباني داخل أرواحنا؛ نجدد الأمل دائماً لتهذيب نفوسنا فنوزع الفرحة في دواخلنا والآخرين.. آن الأوان لتطهير قلوبنا من أدران الزمن بالجَلَد على مصائبه، ندفعها بأجفان تنير الجماجم لا بالنفخ في مزمار مليء بالرماد.