ما تبثه وسائل الإعلام من محتوى هابط، وتطبيقات اجتماعية تحاكي غرائز الإنسان بدلاً من عقله، والاتجاه العام نحو تسطيح المفاهيم عوضاً عن التعمق في الذات البشرية والوجود ودور الإنسان في الحياة لخلق أجيال واعية؛ ولَّد لدى الأطفال هوس الشهرة، وساهم في استخدامهم الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي، التي غدت سبيلاً لإشباع غريزة الظهور، ووسيلة لعرض العضلات، وأداة لحصد إعجاب الناس، دون اكتراث لقيمة المحتوى الذي ينشره الأطفال على تلك المنصات. من هذا المنطلق، تنبع أهمية التربية الإعلامية بوصفها أداة مهمة لتوليد وعي إعلامي يتيح للطفل الآليات المناسبة للتعامل مع الفضاء الرقمي بشكل قويم، واستثمار وسائل الإعلام لتنمية ثقافته وتطوير معارفه، مع إدراك جوانبها السلبية. أما الطريقة المثلى لخلق الثقافة الإعلامية، فتكمن في إقرار مادة خاصة بالتربية الإعلامية في جميع المراحل الدراسية، تُعنى بحماية الطلاب على اختلاف أعمارهم من مخاطر الإعلام، وتعليمهم كيفية التفكير النقدي خلال استخدامهم مختلف المنتجات الإعلامية، إلى جانب تدريبهم على فهم المحتوى الإعلامي، وتعليمهم استراتيجيات تحليل الرسائل الإعلامية، وتحصينهم ضد الغزو الفكري والمعلومات المغرضة التي يبثها الأعداء ويحاولون من خلالها التأثير فيهم بطريقة تخدم مصالح الجهة الممولة لهم. أما نجاح التربية الإعلامية، فمرهون بمدى إيماننا بها وبرسالتها، وبمدى إسهام الجهات المهنية في تدريسها بإخلاص منقطع النظير بوصفها منهجاً أساسياً لا غنى عنه؛ لأنه من أكثر المقررات الدراسية صلة بواقع الإنسان وحياته اليومية. ولأولياء الأمور نصيب من ذلك أيضاً، فعلى عاتقهم تقع مسؤولية توجيه الأبناء وتثقيفهم وتعليمهم أسس وقواعد التعامل المسؤول مع وسائل الإعلام. ورغم التدفق الهائل للمعلومات في عصرنا الحالي، إلا أن الخطورة لا تكمن في كم هذا التدفق المعلوماتي، وإنما في قدرة الإعلام على الوصول إلى كل فرد في المجتمع، بصرف النظر عن موقعه الجغرافي أو عمره أو حالته المادية، دون قيد أو شرط أو حتى رقيب سوى الفرد ذاته. من هنا تنبع أهمية تعليم أبنائنا منذ الصغر كيفية استثمار وسائل الإعلام بشكل صحيح من خلال مادة التربية الإعلامية، بحيث يستقبلون المعلومات بوعي، ويتعاملون مع ما يُعرض أمامهم بذكاء ومعرفة مسبقة، تمكنهم من تسخير تقنيات الإعلام الحديثة ومنصات التواصل، لخدمة أهدافهم الشخصية والمهنية، وتطوير معارفهم وثقافتهم، والإسهام في نهضة الأمة والمجتمع، مع النأي قدر الإمكان عن مخاطرها وسلبياتها. أخيراً.. التربية الإعلامية في وقتنا الحاضر ضرورة لا بد منها، فالمعرفة لم تعد محصورة في المدرسة والمعلم، بل صار الإعلام وسيلة جوهرية لنقل المعلومة، وأداة مهمة للتسلية والتواصل، ووسيلة رئيسية لتشكيل الرأي العام وصناعة الأحداث وتغيير المجتمعات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؛ ما يعني أنه سلاح ذو حدين على حسب كيفية استخدامه.