دعا أكاديميون وتربويون ومستشارون أسريون، الآباء إلى ضرورة بناء القيم الأخلاقية وزرعها في نفوس أطفالهم، مشددين على أن تبنّي تلك القيم يحصّنهم من مخاطر التطبيقات الحديثة والألعاب في الأجهزة الذكية ويحميهم من الاستغلال الفكري والجنسي والأخلاقي. وأكّدوا ل «اليوم» ضمن الملف الشهري ال 11 تحت عنوان: «تطبيقات الجوّال والألعاب تستدرج الأطفال.. الإهمال يغتالهم»، أن تكوين الشخصية المتميزة بحُسن السلوك، وبالفضائل الإنسانية، والنضج العقلي والعاطفي، يسهم بشكل كبير في التصدي لتلك العصابات الإجرامية المختبئة خلف الأجهزة الذكية لتنقض على فريستها الصغرى. وتستدرج تلك العصابات معدومة الأخلاق الأطفال، ببث الصور الجنسية والأفكار المنحرفة وتسويق المخدرات وغيرها من الجرائم، إلى أن يتقبّلها الطرف الآخر ويدمن مشاهدتها، ثم تبدأ رحلة السقوط في وحل الانحراف. وقال المختصون: إن الأسرة ذات فاعلية كبيرة في اتجاه الأبناء السوية أو الشاذة أخلاقيا، ويتجلّى ذلك من خلال غرس المفاهيم التربوية وتحرير الشخصية من الخوف، ثم التركيز على استخدام ملكاته ومستوى إدراكاته. وأبانوا أن أخطر ما نواجهه في هذا العصر سهولة حصول الأطفال على تلك التقنية وسهولة استخدامها إذا غاب الحسيب والرقيب، مضيفين: «من المبكي حقا؛ غياب دور الأسرة عن ذلك وخاصة الأب والأم»، مشددين على ضرورة فرض رقابة مستمرة بصورة مباشرة أو غير مباشرة تشعر الطفل بها بين الفينة والأخرى، إضافة إلى زيادة جرعة الوازع الديني. إلى ذلك، أكّدت معصومة العبدالرضا المستشارة الأسرية، أن استدراج الأطفال ظاهرة تستوجب حلا سريعا لما فيه من انحراف سلوكي، مبينة أن الهدف من التربية هو تكوين الشخصية المتميزة بحسن السلوك، وبالفضائل الإنسانية، والقادرة على إثبات وجودها في ميدان الحياة الفردية والاجتماعية وصياغة الشخصية بالشكل الذي يتيح لها اكتساب القيم الإنسانية الرفيعة وصقل الروح الوطنية ومتانة الأخلاق. وأضافت: «إن الطفل ما بين 10- 16 عاما في مرحلة خطرة أيما خطورة؛ حيث النمو المطرد الجسدي والمعلوماتي ومرحلة تعتبر مرحلة الاستكشاف والمعرفة والوصول إلى فك الشفرات، وصولا إلى معرفة المجاهيل، فيتشكل وفقا لما بُرمج عليه من توجيهاتٍ ومعطياتٍ وعلى مايرافقهُ من كمٍ كبيرٍ من أسئلةٍ فرضتها الطبيعة عبر تغيرات بيولوجية وفسيولوجية، فإذا تمت برمجته على معايير واتجاهات قويمة فلا ضير عليه، فلديه مخزون وافر من القيم والمُثُل يحميه عند تعرّضه لهزات أخلاقية، كالتحرّش الجنسي وغيره». لقمة سائغة وأردفت: «إن الطفل إذا كان خالي الذهن من المعطيات التربوية، فسيكون سلعة رخيصة في أيد شيطانية طائشة منتفعة هدفها التضليل والانحراف السلوكي فتبدأ ببث السم في الدسم بمغريات إشباع غريزة الفضول واستغلال وسائل التواصل ببعث المرئي والسمعي من الأفلام الإباحية، والأفكار المنحرفة، فبمجرد مشاهدة هذه المواد ينطبع الانحراف فكريا وجنسيا في دماغه ويصبح جزءا في توجيهه السلوكي الجنسي وتتشكل معه ذكريات يستدعيها مستقبلا بعاطفة الإثارة بواسطة هرمون «الإدرينالين»، وهنا منبع الخطر لصعوبة محو هذه الذكريات العالقة منذ الطفولة؛ لأنها تقدم العنصر المهم في التشويق وهو الصورة. إن الصورة تُعتبر أهم إغراء للعقل ومخاطبة الغرائز الفطرية في إطلاق الحرية غير المقيدة دون وعي وإتاحة المجال للتعامل معها بعيداً عن الرقابة». واسترسلت: الخطورة الحقيقية تكمن في التأثير النفسي حال مشاهدة المواد الإباحية بجميع أشكالها وصورها ومصادرها ويصبح لدى الطفل الدافعية لمشاهدة المزيد من هذه المواد واستثارة الفضول وتؤثر على السلوك بشكل ملحوظ فيظهر عليه القلق، الاكتئاب، التوتر، الغضب، والعدوانية. كما أنها مدخل للعلاقات التطبيقية وتحويل المشاهدات إلى واقع ملموس مع أطفال سذج، تكون هناك إغراءات النفس الخيالية وأحلام اليقظة على حساب الواقعية من خلال خيالهم الذي يسبح في عالم الأمنيات الذي يغمر نفوسهم بما يشاهدونه، ويظهر عليهم الانصراف الجزئي أو الكلي عن مطالعة الدروس والبرامج المفيدة، والشذوذ، والانحراف الخلقي، والتوهم والوسواس، والحزبية والتعصب، فضلا عن الآثار النفسية التي يفرزها هذا السلوك الشاذ نتيجة إخضاعهم تحت وطأة التهديد والابتزاز والإدمان وجعلهم مسلوبي الإرادة فاقدي متعة الحياة هاربين من ذواتهم إلى ذواتهم المطاردة بنفسيات مهلهلة تائهة تحت ناقوس الانهزام الذاتي والشعور بعدم الثقة بالنفس والانسحاب من المجتمع وعدم التوافق مع العائلة والأسرة، والتسرب الدراسي والهروب من المنزل، إضافة إلى التبوّل اللاإرادي ومص الأصابع وعض الشفتين، والشذوذ الجنسي، ومستقبلا الهروب من الزواج الشرعي والحزن الشديد والشك. وتساءلت الرضا عن المسؤول عن حماية الطفل درءا للآثار النفسية وتحصينا لحياته المستقبلية، مبينة أن جميع عناصر المجتمع مسؤولة عن ذلك سواء كان البيت والمدرسة والإعلام والمسجد، كلهم مسؤولون، ويقع على كاهلهم المسؤولية الفردية والجمعية، ويقع على الأسرة النصيب الأكبر -خط الدفاع- كونها المؤسسة الأولى التي يتلقّى فيها الأبناء أفكارهم وسلوكهم وعواطفهم، وبهذا تكون الأسرة ذات فاعلية في اتجاه الأبناء السوية أو الشاذة خلقيا، ويتجلى ذلك من خلال غرس المفاهيم التربوية وتحرير الشخصية من الخوف ومن ثم التركيز على استخدام ملكاته ومستوى إدراكاته، وهذه نقاط مهمة جدا لتشجيعه للخروج مما علق في اللاواعي الذي بدأ في هذه المرحلة عملية التراكم الكسبي. الحوار.. نجاة وتطرّقت الرضا إلى أهم هذه النقاط؛ تفعيل الحوار الفعّال منذ الطفولة، التوجيه السليم نحو تكريم الذات، تعويده على طرح مشكلاته ومناقشتها بصراحة، غرس الثقة المتبادلة بينهم، زرع الرقابة الذاتية، بناء الألفة وغرس المفاهيم والقيم الدينية وترسيخ مفهوم العفة المتمثلة في ستر العورة وتطهير اللسان من الكلام الباطل والمبتذل وتزويده بالمعلومات الشرعية، والتربية الجنسية حفظا من الوقوع في التجارب الجنسية إضافة لإحاطته، علما بمعنى التحرّش الجنسي حتى لا يقع فريسة الجهل والضياع والإغراء وضرورة مراقبتهم في السر منعا لهدم الثقة بالنفس والدعوة المستمرة إلى الأخلاق والدين القويم. وأشارت إلى أن الجميع يدرك ان التربية عمل سامٍ مكلّف بها الإنسان، وعليه أن يسلك به الطريق السليم ليبعد الأطفال عن العبثية والعبودية والابتزاز والهمجية. على الصعيد ذاته، قال التربوي عبدالله الزبدة: إن ابتزاز الأطفال من أبشع جرائم العصر، فالمبتزون يتظاهرون عبر شبكة التواصل والمواقع الاجتماعية بأنهم أطفال ويحاولون إقناع الأطفال القيام بأعمال جنسية أو تبادل الصور معهم، ثم يهددون بإرسال الصور إلى عائلة الطفل وأصدقائه. وقد ذكر أحد مديري مراكز استغلال الأطفال وحمايتهم في بريطانيا أن المبتز تكفيه أربع دقائق فقط لاستغلال طفل. وأضاف: إن للأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت دورا فعالا في سهولة التواصل ونقل المعلومات، فأصبح من السهل الحصول على البيانات مثل الصور ومقاطع الفيديو وتداولها، وكذلك استغلال براءة الأطفال وحبهم لاستكشاف ما حولهم، ولا يستدعي الأمر جهدا كبيرا سوى لمس الشاشة. وعن كيفية استقطاب الأطفال لهذه المواقع، أشار إلى أنه في بداية الأمر يكون من باب الترفيه والتسلية ثم تتدرج المراحل إلى أن يصل الطفل للإدمان. إدمان المقاطع وزاد: في دراسة جديدة أُجريت من قبل باحثين في جامعة كامبريدج، وجد أن دماغ الطفل الذي ينظر للمحرمات وبخاصة المقاطع الإباحية يسلك سلوك دماغ مدمن المخدرات والخمر، وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها، حيث استخدم العلماء التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة مجموعة من الشباب المدمنين على مشاهدة الأفلام الإباحية؛ وكانت نتيجة الدراسة مفاجأة للعلماء لخطورة مشاهدة هذه المناظر، وأوصوا بضرورة الحد من مشاهدتها. فكيف بالأطفال الذين يتناقلون المقاطع الإباحية والصور منذُ نعومة أظافرهم. وبيّن: في ظل هذه المعطيات التي جعلت أطفالنا صيداً سهلاً للمتربصين ببراءتهم، غالباً ما تتم الإساءة من شخص بالغ، ومع انتشار برامج المحادثة الفورية التي يستطيع من خلالها نقل الصور والمقاطع بلا مقابل للجميع بكل يسر وسهولة، مما نتج عنه ما يشبه «المنافسة» بين الشباب حول من يرسل أفلامًا أشد جرأة، وهكذا يُغرر الأطفال بتصوير أنفسهم بأوضاع مختلفة وإرسالها بحرية عبر أي برنامج، فينتقل من المشاهدة إلى الابتزاز؛ إما الحصول على ما يريد، أو ينشر الصور. واسترسل: يصل الضرر الذي يسببه التحرّش بالطفل وابتزازه مستقبلا بأنه قد يصبح عنيفا، مستشهدا بقصة رواها أحد الأطباء النفسيين عن أحد مرضاه بقوله: لقد مرّ عليّ في العيادة رجل متقاعد يُعاني اكتئابا، وبعد عدة زيارات في العيادة ذكر لي بأن هناك أمراً يُخفيه ولم يُخبر به أحداً، بأنه عندما كان في العاشرة من عمره اعتدى عليه أحد أقاربه جنسياً وكان يكبره بحوالي ست سنوات وأنه لم يذكر شيئاً من هذا الحدث لأي شخص وظل يكبته في نفسه حتى باح به إليّ، وعندما سألته عما يُريد من ذكر هذه الحادثة، قال: إنه يشعر بالغضب ويُفكّر في الانتقام من هذا الشخص الذي اعتدى عليه جنسيا، وقد كانت هذه الحادثة قبل أكثر من 50 عاماً، حيث تقاعد الرجل الذي ارتكب هذه الحادثة، وأصبح شيخاً كبيراً، متقاعداً وأباً لعدد من الأولاد، وكذلك جَدًّا لعدد من الأحفاد، وقال هذا الشخص المعتدى عليه: إنه لم ينس هذا الحادث طوال حياته، وإنه يفكّر في أن ينتقم منه، وهذا يدل على مدى التأثير النفسي السلبي الكبير الذي يُعانيه الشخص الذي يتعرض لاعتداء جنسي أو للابتزاز. مخافة الله وأشار إلى أن واجب الوالدين هو توعية الأبناء في سن مبكرة مخافة الله في السر والعلن، وعن مخاطر الإنترنت وحرمة نشر الصور الإباحية، والحذر من مصاحبة صغار السن للكبار. وعند حدوث أي مشكلة؛ فعلى الوالدين معرفة أسبابها وحلها بالطريقة التربوية الصحيحة، وعدم تعنيف الطفل وترهيبه أو ترك الأجهزة بين أيديهم طوال الوقت وأن يكونوا قريبين منهم. من جانبه، ذكر المعلم سلطان النوة أن للوسائل التقنية الحديثة آثارا إيجابية وسلبية، والانتشار الإعلامي والتقني الضخم الذي هجم علينا من كل حدب وصوب حتى أصبح لتلك التقنية القدرة الهائلة على الدخول في كل بيت والوصول لأي شخص مهما اختلف عمره وجنسه سواء بالسلب أو بالإيجاب، تلك التقنية التي قرّبت البعيد وجعلت من المستحيل ممكنا، ومن السهل الوصول إليه، وَمِمَّا لا شك فيه، أن لأي تقنية مزاياها الإيجابية التي قد يستغلها بعض ضعاف النفوس ويحوّلونها إلى جانب سلبي يخدم رغباتهم ويطوعونها حسبما يريدون. وأكد النوة بقوله: من أخطر ما نواجهه في هذا العصر سهولة حصول الأطفال على تلك التقنية وسهولة استخدامها إذا غاب الحسيب والرقيب، فالطفل في وسط عائلته كالمادة الخام أو العجينة الطرية التي من الممكن تشكيلها بأي شكل والعناية والاهتمام بها أو إهمالها، ومن المبكي حقا عندما يغيب دور الأسرة عن ذلك وخاصة الأب والأم. وشدد على ضرورة فرض رقابة مستمرة بصورة مباشرة أو غير مباشرة يشعر الطفل بها بين الفينة والأخرى، إضافة إلى زيادة جرعة الوازع الديني وتذكير الطفل وبشكل دائم بالحلال والحرام والجنة والنار، والإبلاغ عن أي حادثة أو موقف منحرف، وهنا لا يمكن لذلك أن يتحقق إذا لم يشعر الطفل بالأمان في محيطه وبالأخص بين أسرته، فالمصارحة والمكاشفة والتفاهم والاستماع للطفل وإعطاؤه مطلق الحرية للتعبير عما يشعر به بدون خوف أو تردد، سوف يزرع في الطفل قيما ومفاهيم أخلاقية تبقى معه مستمرة طوال العمر. ولفت إلى أن دور الأسرة لا يمكن حصره في مسألة المراقبة فقط، بل يمتد في معرفة أصدقاء الطفل وجلسائه، «فالقرين بالمقارن يقتدي»، فيجب اختيار من هم في مثل عمره ومن هم قريبون منه بالتواصل حتى مع أسرة الطفل الآخر والأدوار تتعدى مرحلة الأسرة إلى المدرسة والمسجد والنادي و الحي وثقافة مجتمع ومحيط الطفل الذي ينشأ من خلاله، وبالتالي عند الأخذ في الاعتبار كل تلك الاحتياطات سوف ننشئ -وبدون أدنى شك- طفلا يستطيع أن يحمي نفسه من كل ما يشوب، ومن كل ما يؤثر في جانبه النفسي والجسدي. التربية الجنسية في السياق ذاته، أكد الدكتور والأكاديمي محمد العلي خطورة وضع الأجهزة الحديثة في أيدي الأطفال من غير توعية لهم ومن غير بيان، وشرح عن خطورتها وكيفية استعمالها وكيف يتصرفون إذا حدث لهم استدراج فكري أو جنسي أو إجرامي، مبينا أنه من العوامل المعينة على حماية الأطفال، التربية الأخلاقية والتربية الجنسية الصحيحة. فعدم الحديث في هذا الموضوع يجعلهم يُفاجأون بهذا الامر حين يأتيهم الحديث من غيرنا، مع العلم أن هناك طرقا تربوية للتربية الجنسية حتى لا يفاجأوا من غيرنا. وأضاف العلي أن التحرّش الجنسي مظهر من مظاهر إهمال الأسرة للأطفال فنحن نعاني هذا الشيء في المجتمعات العربية، حيث أصبح أطفالنا لقمة سائغة للمجرمين وضحية لهؤلاء اللاعبين، ولا شك أن هناك أسبابا معينة لهؤلاء المجرمين؛ ومنها قلة الرقابة من الأسرة للطفل. أما عن اأثر النفسي الذي يتركه التحرّش في نفسية الطفل؛ أشار العلي إلى أنه أثر مدمر لنفسية الطفل، فيجعله خائفا لا يشعر بالأمان، وهذا له أثره السيء فقد يتحوّل مستقبلا إلى اإجرام، وبذلك يتعوّد على السلوكيات السيئة والإجرامية، ويمكننا من حماية أطفالنا بالرعاية الكاملة لهم وعدم تركهم يواجهون هؤلاء المجرمين وحدهم، والتوجيه والتربية الأخلاقية والجنسية لهم، وأن نربي الطفل وتتم توعيته بهذه الغريزة الجنسية، والحكمة منها أنها خطر إذا اُستُعملت بطريقة شيطانية. منتهكو البراءة وأدان الأكاديمي محمد الحميدي التحرّش والانحراف أينما كان وكيفما كان، وبخصوص التحرّش الجنسي والتلاعب بمشاعر الأطفال وانتهاك براءتهم، سوف تتضاعف الإدانة، وتتضاعف العقوبة أيضاً. وقال: «إن استغلال الأطفال، انتهاك للبراءة، والأطفال أكثر تأثراً من الكبار، لكن من الضروري مراقبتهم أثناء استعمال الشبكة العنكبوتية، أو خلال تواصلهم عبر برامج الجوال أو الآيباد، للحفاظ عليهم، ويجب إفهامهم ذلك بأنه لمصلحتهم الشخصية ليس تضييقاً أو منعاً لحريتهم، ويجب التحذير من ضرر أصحاب الأمراض السلوكية، وانحرافاتهم، وينبغي مراقبة الأطفال؛ فسلامتهم تأتي في المقدمة سواء سلامتهم العقلية أو الأخلاقية، فهو واجب علينا نحن الآباء والأمهات، قبل أن يكون مسؤولية الدولة وأجهزتها. ولفت إلى أن الإنترنت عالم مفتوح، يرتاده الصالح من الناس، مثلما يدخله الطالح أو الباحث عن الحرام، ومن السهل خداع الطفل وجذبه إلى بعض الألعاب الإلكترونية -وهي بالمناسبة كثيرة- كالبلياردو، أو ألعاب الحروب، وغيرهما، حيث يستمر الطفل في اللعب لساعات ويقضي أياما في ممارستها، هؤلاء الأشرار يقومون بالتسجيل في هذه الألعاب بأسماء مستعارة ويُظهرون أنفسهم كأطفال، فالطفل يتجانس مع الطفل ويتواصلون معه كتابياً، عبر المحادثات الخاصة، ثم يبدؤون في إرسال بعض الصور غير المحتشمة، إذا استجاب الطفل لغريزته، سوف يرسلون له صوراً أخرى، إلى أن يقنعوه بتصوير نفسه وربما بتصوير عائلته، ينساق الطفل البريء إلى اللعبة، يرسل لهم الصور، ثم يطلبون منه الخروج معهم، إذا رفض، يقومون بتهديده، هنا تكون المصيبة الكبرى حيث يستجيب لهم ويصبح واحداً من مجموعتهم. العالم المجهول وأضاف الحميدي: يدخل الطفل إلى العالم المجهول، وهو بطبيعته يحب اكتشاف الأشياء الجديدة والغريبة، لا يدرك تأثيراتها بحكم سنه الصغير، إنها ستقوده إلى الانحراف، يختلي بجوّاله أو آيباده لساعات، يبتعد عن الناس، يصبح مدمناً على مشاهدة المناظر المحرمة، هنا دور الأسرة، حينما تكتشف إدمان ابنها، أن تبحث عن السبب وتعالج الأمر، دون العقاب الجسدي، فهو ليس الحل المثالي، فينبغي الجلوس مع الطفل والتوضيح بأن هذا العمل لا يرضي الله ولا يرضي الوالدين، وأنه سوف ينال العقاب من هذا الفعل. أما عن نفسية الطفل وتأثرها، فبيّن الحميدي بأنها تكون مضطربة متوترة خائفة لا تعلم ماذا تفعل ولا كيف تتصرف؟ على الأهل الانتباه إليه، ومراقبته، وعدم تركه بمفرده مع الأجهزة الذكية، وتفتيش جهازه إذا احتاج الأمر. مؤكدا إن الخوف يدفع الطفل إلى الكذب، والإنكار، ويكون تفكيره مشوشاً مضطرباً ويخاف العقوبة، الأب والأم مهمتهما الجلوس مع الولد ومحادثته، بيان الخطأ الذي وقع فيه، إنه سيكون مراقباً، لن يتركاه بمفرده، كما أنهما يحبانه؛ لذا لن يتخلّيا عنه، مهما حصل. وأشار الحميدي بقوله: بعض الأحداث، لا يمكن محوها من الذاكرة، تلتصق بأعماق الإنسان، خصوصا إذا اقترنت بالغريزة، وهذا النوع من المناظر سيلازم ذاكرة الطفل الذي يبحث عن اكتشاف الأشياء، كما يميل إلى التقليد والمحاكاة، وستصبح له شخصية مضطربة خائفة متوترة نتيجة خوفه من الفضيحة، أو اكتشاف الأهل، وسيعيش القلق وسينسحب على بقية سلوكياته سواء في البيت والمدرسة والشارع، وتمتد الآثار إلى الداخل، وتنمو معه بنمو حياته. وإدمان مشاهدة هذا النوع من المناظر، سوف يؤدي إلى اعتبارها شيئاً طبيعيا ويمكن ممارستها، فالطفل يتعلّم عبر التقليد والمحاكاة، ومن الممكن أن يقوم بتقليد الحركات التي يشاهدها، هنا ينتقل التأثير إلى البيئة المحيطة، التي ستتأثر بشدة من هذا الفعل المشين. أما عن دور العائلة والتعامل مع الوضع حال حدوثه، أبان الحميدي بقوله: بمجرد اكتشاف العائلة ما حدث، سيُصاب الطفل بالرعب، سيظن أن العقاب القادم سيكون شديد القسوة؛ لأنه يدرك الخطأ الذي وقع فيه، واقترح الحميدي خطوات لمعالجة المسألة، ربما تفيد في تقليل معاناة الطفل؛ وهي تدارك الأسرة لما حدث حيث ينبغي الجلوس مع الطفل، دون التهديد بالعنف، لأن العنف لن يحل المشكلة، فربما يضاعفها، لأن الاستماع إليه يمثل بداية الحل وجعله يحكي جميع ما بداخله، وما فعله، وكيف وصل إلى ما وصل إليه، ثم التشديد بأن ما فعله يتنافى مع الدين الإسلامي والأخلاق، وأنه سيكون منبوذاً إذا استمرَّ في القيام به، كما ينبغي أخذ الأجهزة الإلكترونية التي بحوزته. الخطوة الثالثة عبر التواصل مع الجهات الرسمية؛ لإلقاء القبض على المجرم الذي يروّج مثل هذه الأشياء، وهي خطوة تتم بسرية تامة، فالأجهزة الأمنية لديها خبرة في التعامل مع مثل هذه الحالات. وأخيراً؛ محاولة دمج الطفل في العائلة والمجتمع، لأنه إذا أحس بالأمان؛ لن يلجأ إلى مثل هذه الوسائل مرة ثانية، ومن الضروري مراقبته والتأكّد من زوال التأثيرات السلبية، مع تشجيعه ودفعه للقيام بأعمال الخير، وإشعاره بأهميته في محيطه، وبأهمية ما يفعل. من جانبها، قالت بدرية الموسى -مشرفة مركز الاستشارات الأسرية-: «للأسف كثير من الآباء يتساهلون في إعطاء الأجهزة والهواتف للأطفال دون رقابة، وتحديد أوقات لاستخدامها، مما يسهّل وقوع الطفل في هذا الفخ، إمّا عن طريق اختيارهم كأرقام عشوائية أو دخول مجموعات بدون معرفة أعضائها، وبالتالي تصلهم المقاطع والصور فيدفعهم الفضول لطلب المزيد حتى يقعوا في الإدمان، وسيشعر الطفل بالخوف في البداية من مشاهدة هذه المقاطع والتوتر من هذه المشاهد، ثم التفكير فيها والوسوسة بإعادة تجريبها وطلب المزيد منها، وتظهر عليه أعراض الانطوائية والشرود، وقد تتطور الحالة إلى فقدان الشهية والضعف العام». أمّا، عند تعرّض الطفل للابتزاز الجنسي، فبينت الموسى أن الابتزاز سيصيب الطفل بالذعر والخوف من افتضاح أمره، وقد يغرقه في هذا المستنقع أكثر فأكثر لإسكات المبتز والدخول في دوامة لا نهائية تجعله ذا شخصية مهزوزة وجبانة وغير فاعلة. وحماية الطفل تكون بالتربية الدينية والأخلاقية الصحيحة وتعليم الطفل كيف يحمي نفسه بإبلاغ الأهل أو الجهات المسؤولة. كما يجب على الأهل سنّ ضوابط لاستخدام الأجهزة والتواصل مع الغرباء والمراقبة الدائمة للطفل وتحديد ساعات معيّنة لاستخدام الجهاز، إضافة لتصفية محتوى العرض إلى الحد الأدنى في اليوتيوب وسوق تحميل البرامج، وتعويد الطفل على المصارحة والتعرف على أصدقائه مع ضرورة عدم التوبيخ عند وقوعه في الخطأ، بل يجب توجيهه وإرشاده بحكمة. يميل الطفل إلى اكتشاف الجديد بالدخول إلى عالم الإنترنت المجهول الحوار الفعّال والتوجيه السليم يعزّزان مناعة الطفل ضد الانحراف