لا تلوح في الأفق أية بوادر لحل الأزمة التي صنعتها حكومة نجيب ميقاتي مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، خصوصاً بعد التسريبات «الفضيحة» لوزير خارجيتها المدعو عبدالله بوحبيب، التي أسقطت «الأقنعة الزائفة»، وكشفت الحقد الدفين لأمثال هؤلاء السياسيين «السذج» الذين لا ينتمون لا إلى لبنان ولا إلى محيطه العربي، ولكنهم يستخدمون كورق «التواليت»، إذ أدت تصرفاتهم الحمقاء إلى عزلة لبنان والقطيعة معه بفعل افتراءات وأكاذيب بدت ساذجة وغبية بحسب ما وصفها سياسيون وناشطون لبنانيون. وهكذا صنع «بوحبيب» الدبلوماسي الذي يفترض أنه يعمل كإطفائي للحرائق المشتعلة في الجسد اللبناني، أزمة أسوأ من سابقتها إذ صب الزيت على النار، وكأنه يريد أن يحرق لبنان بما فيه ومن فيه، ما دفع مغرد لبناني إلى التساؤل: من أين أتي ميقاتي بأمثال هؤلاء الذين يفترض أنهم سياسيون؟. وهنا تبدو الصورة التي رسمها الكاتب الإنجليزي الراحل روبرت فيسك عن لبنان في كتابه «ويلات وطن.. صراعات الشرق الأوسط وحروب لبنان»، أصدق مثال عن أولئك الذين يورطون بلداً وشعبه على السير في مسالك تزيد ضيقاً وتفضي من عسر إلى عسر أشد منه، ومن أزمة إلى أزمة أسوأ منها. لبنان الذي انتفض قبل أكثر من عامين وتحديداً في 17 أكتوبر 2019 رفضاً لما وصفه الشارع المنتفض ب«حياة بائسة» رافعاً حينها شعارات يبدو أنها صارت اليوم ترفاً أمام تمدد أزماته الساحقة وانهياره العنيف الذي حوّل حياة غالبية الشعب إلى الجري، بل والصراخ للحصول على مقومات الحياة الأساسية من كهرباء، وخبز، ووقود. وبحسب تقديرات الأممالمتحدة، فإن الأزمة الاقتصادية التي أطاحت بما يزيد عن 80% من اللبنانيين إلى أسفل خط الفقر، لا تعدو كونها أحد تداعيات الإخفاق الحكومي والفشل السياسي الذي يضرب لبنان، فحكومة ميقاتي التي طال انتظارها نحو عام أو يزيد، لا تقوى على عقد اجتماع بفعل هيمنة مليشيا «حزب الله» على صناعة قرارها، فهل يعقل أنه مع تداعي كل تلك الأزمات الطاحنة وتمددها والعزلة اللبنانية لا تعقد حكومة «الإنقاذ الكاذب» اجتماعاً واحداً حتى الساعة، ليس هذا فحسب، بل إنها وجدت نفسها في «مهب الريح» مع توالي الإخفاقات والعثرات وآخرها افتراءات وجهالة القرداحي وتسريبات وورطة البوحبيب. وليست الأزمة مع دول الخليج وحدها التي يعاني منها لبنان، فالانقسام السياسي والحزبي ضارب في الجذور، وهو ما كشفت عنه الخلافات حول مسار التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت في أغسطس 2020، وما تلاه من اندلاع شرارة حرب أهلية في «أحداث الطيونة». وهكذا يعيش لبنان تداخلاً خارجياً وداخلياً، وتجاذباً بين القضاء والسياسة، وحياة معيشية تبدو بائسة لشعب بات يبحث عن خلاص يفك به قيده من سجن «الدويلة» التي بسطت يدها على الدولة، ورمت بها في بئر سحيق، فلم يعد أحد يسمعها.